المنَاسَبَة: لما حكى عن المشركين تقليدهم الأعمى للآباء، ذكر هنا إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام، الذي يفتخر به العرب وينتسبون إليه، وتبرءه من قومه ومن عبادة الأوثان، للمقارنة بين الهدى والضلال، وبين منطق العقل السديد، ومنطق الهوى والتقليد.
اللغَة: ﴿بَرَآءٌ﴾ مصدر بمعنى بريء أي متبرىء يقال: تبرأتُ من الأمر أي تخليت منه بالكلية ﴿عَقِبِهِ﴾ ذريته ونسله قال ابن شهاب: العقب: الولدُ وولد الولد ﴿سُخْرِيّاً﴾ أي مسخراً في العمل مستخدماً فيه ﴿مَعَارِجَ﴾ مصاعد ومراقي جمع مِعْراج وهو ما يصعد عليه الإِنسان كالدرج ونحوه ﴿يَظْهَرُونَ﴾ يرتقون ويصعدون ﴿زُخْرُف﴾ زينة من ذهب وفضة وغيرهما ﴿يَعْشُ﴾ يُعرض وأصله من عشيَ البصرُ إذا ضعف قال الخليل: العشو هو النظر ببصر ضعيف.
التفسِير: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ أي واذكر يا محمد حين قال إبراهيم الخليل لأبيه وقومه المشركين إنني بريءٌ من هذا الأوثان التي تعبدونها من دون الله ﴿إِلاَّ الذي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ أي لكنْ ربي الذي خلقني وأنشأني من العدم فإِنه يرشدني إلى الدين الحق، ويهديني إلى طريق السعادة ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ أي وجعل إبراهيم هذه الكلمة كلمة التوحيد باقيةً في ذريته فلا يزال فيهم من يوحِّد الله ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي رجاء أن يرجع إلى الإِيمان من الشرك منهم من قال مجاهد: «وجعلها كلمة» يعني «لا إله إلا الله» لا يزال في ذريته من يقولها إلى ايوم الدين ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هؤلاء وَآبَآءَهُمْ﴾ أي بل متعتُ أهل مكة وآبائهم وهم من عقب إبراهيم بالإِمداد في العمر والنعمة، فاغتروا بالمهلة واشتغلوا بالتنعم واتباع الشهوات عن كلمة التوحيد ﴿حَتَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َmp;
١٦٤٨ - ; جَآءَهُمُ الحق وَرَسُولٌ مُّبِينٌ﴾
أي حتى جاءهم القرآن ورسولٌ ظاهر الرسالة، مؤيدٌ بالمعجزات الباهرة من عند الله قال الإِمام الفخر: وجه نظم الآية أنهم لما عوَّلوا على تقليد الآباء، ولم يتفكروا في الحجة، اغتروا بطول الإِمهال وإِمتاع الله إياهم بنعيم الدنيا فأعرضوا عن الحق ﴿وَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق قَالُواْ هذا سِحْرٌ﴾ أي ولمَّا جاءهم القرآن لينبههم من غفلتهم، ويرشدهم إلى التوحيد، ازدادوا


الصفحة التالية
Icon