وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ} أي ولولا أن يرغب الناسُ في الكفر إذا رأوا الكافر في سعة من الرزق، ويصيروا أمةً واحدة في الكفر، لخصصنا هذه الدنيا بالكفار، وجعلنا لهم القصور الشاهقة المزخرفة بأنواع الزينة والنقوش، سقفها من الفضة الخالصة ﴿وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ أي وجعلنا لهم مصاعدَ وسلالم من فضة عليها يرتقون ويصعدون ﴿وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً﴾ أي ولبيوتهم أبواباً من قضة وسرراً من فضة، زيادةً في الرفاهية والنعيم ﴿عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ﴾ أي على تلك الأسرَّة الفضيَّة يتكئون ويجلسون ﴿وَزُخْرُفاً﴾ أي وجعلنا لهم زينةً من ستور ونمارق ونقوش وقال ابن عباس: ﴿زُخْرُفاً﴾ ذهباً أي جعلنا لهم سقفاً وأبواباً وسرراً من فضة وذهب ﴿وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحياة الدنيا﴾ أي وما كل ذلك النعيم العاجل الذي نعطيه للكفار، إلاّ شيء يُتمتع به في الحياة الدنيا الزائلة الحقيرة ﴿والآخرة عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي والجنةُ وما فيها من أنواع الملاذ والنعم التي يقصر عنها البيان، هي خاصة بالمتقين لا يشاركهم فيها أحد قال المفسرون: والآياتُ سِيقتْ لبيان حقارة الدنيا وقلة شأنها، وأنها من الهوان بحيث لولا الفتنة لخصَّ بها الكفارين، فجل بيوت الكفرة ودرجها وسقوفها من ذهب وفضة، وأعطى الكافر كل ذلك النعيم في الدنيا لعدم حظه في الآخرة، ولكنه تعالى رحيم بالعباد فلذلك أغنى بعض الكفار وأفقر بعضهم، وأغنى بعض المؤمنين وأفقر بعضهم وفي الحديث
«لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها جرعة ماء» قال الزمخشري: فإِن قلت: فحين لم يوسّع على الكفارين للفتنة التي كان يؤدي إليها التوسعة عليهم، من إطباق الناس على الكفر لحبهم الدنيا وتهالكهم عليها، فهلاَّ وسَّع على المسلمين ليطبق الناس على الإِسلام؟ قلتُ التوسعةُ عليهم مفسدة أيضاً لما تؤدي إليها من دخول الناس في الإِسلام لأَجل الدنيا وذلك من دين المنافقين، فكانت الحكمة فيما دبَّر، حيث جعل الفريقين أغنياء وفقراء، وغلَّب الفقر على الغنى ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ا ; لرحمن﴾ أي ومن يعرض ويتعام ويتغافل عن القرآن وعبادة الرحمن ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً﴾ أي نهيء ونيسّر له شيطاناً لا ينفك عن الوسوسة له والإِغواء كقوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين تَؤُزُّهُمْ أَزّاً﴾ [مريم: ٨٣] ﴿فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ فهو له ملازم ومصاحب له لا يفارقه ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السبيل﴾ أي وإن الشياطين ليصدون هؤلاء الكفار الضالين عن طريق الهدى ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ أي ويحسب الكفار أنهم على نور وبصيرة وهدايةٍ من أمرهم ﴿حتى إِذَا جَآءَنَا﴾ أي حتى إذا جاء الكافر مع قرينه وقد ربط بلسلسةٍ واحدة ﴿قَالَ ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين﴾ أي قال الكافر لقرينه: يا ليت بيني وبينك مثل ما بين المشرق والمغرب قال الطبري: وهذا من التغليب كما يقال: القمران، والعمران، والأبوان، فغلَّب ههنا المشرق عل المغرب ﴿فَبِئْسَ القرين﴾ أي فبئس الصاحب أنت لأنك كنت سبباً في شقائي بتزينك الباطل لي قال أبو سعيد الخدري: إذا بُعث الكافر زُوّد بقرينه من الشياطين، فلا يفارقه حتى