وصف فرعون نفسه بالعزة والمُلك، ووان بينه وبين موسى عليه السلام، ووصفه بالضعف وقلة الأعوان، اعترض فقال: إن كان صادقاً فهلاَّ ملَّكه ربُه وسوَّره وجعل الملائكة أنصاره} ! ﴿فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ أي فاستخفَّ بعقول قومه واستجهلهم لخفة أحلامهم، فأطاعوه فيما دعاهم إليه من الضلالة ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ لأي إنما أجابوه لفسقهم وخروجهم عن طاعة الله ﴿فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ﴾ أي فلما أغضبونا وغاظونا انتقمنا منهم بأشد أنواع العقاب ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي فأغرقنا فرعون وقومه في البحر أجمعين فلم نبق منهم أحداً قال المفسرون: اغتر فرعنن بالعظمة والسلطان والأنهار التي تجري من تحته، فأهلكه الله بجنس ما تكبر به هو وقومه وذلك بالغرق بماء البحر، وفيه إشارة إلى أن من تعزَّز بشيء أهلكه الله به ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ﴾ أي جعلنا قوم فرعون قُدوةً لمن يعدهم من الكفار في استحقاق العذاب والدمار، ومثلاً يعتبرون به لئلا يصيبهم مثل ذلك قال مجاهد: سلفاً لكفار قريش يتقدمونهم إلى النار، وعظة وعبرةً لمن يأتي بعدهم ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ أي ولمَّا ذُكر عيسى بن مريم في القرآن وضُرب المثلُ بالآلهة التي عُبدت من دون الله إذا مشركو قريش يضجون وترتفع أصواتُهم بالصياح قال المفسرون:
«لما قرأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] قال ابن الزبعرى: أهذا لنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليه السلام: هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم فقال: قد خصمتك وربِّ الكعبة؟ أليست النصارى يعبدون المسيح، واليهود يعبدون عزيراً؟ وبنو فلان يعبدون الملائكة!! فإِن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، فسكت عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ انتظاراً للوحي، فظنوا أنه أُلزم الحجة فضحك المشركون وضجوا وارتفعت أصواتهم فأنزل الله ﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] » قال القرطبي: ولو تأمل ابن الزبعرى الآية ما اعترض عليها، لأنه تعالى قال ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ ولم يقل «ومنْ تعبدون» وإِنما أراد الأصنام ونحوها مما لايعقل، ولم يرد المسيح ولا الملائكة وإِن كانوا معبودين ﴿وقالوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ﴾ أي أآلهتنا خيرٌ أم عيسى؟ فإِن كان عيسى في النار فلتكنْ آلهتنا معه ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً﴾ أي ما قالوا هذا القول لك إلاَّ على وجه الجدل والمكابرة لا لطلب الحقِّ ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ أي بل هم قوم شديدو الخصومة واللجاج بالباطل قال في التسهيل: أي ما ضربوا لك هذا المثال إلا على وجه الجدل، وهو أن يقصد الإِنسان أن يغلب من يناظره، سواء غلبه بحقٍ أو بباطل، فإِن ابن الزبعرى وأمثاله ممن لا يخفى عليه أن عيسى لم يدخل في قوله تعالى ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ ولكنهم أرادوا المغالطة فوصفهم الله بأنهم قوم خَصِمون ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ أي ما عيسى إالا عبد كسائر العبيد أنعمنا عليه بالنبوة وشرفناه بالرسالة، وليس هو إلهاً ولا ابن إله كما زعم النصارى ﴿إِوَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لبني إِسْرَائِيلَ﴾ أي