المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى أمر عيسى ودعوته إلى الدين الحق، أتبعه بذكر ضلال أهل الكتاب حيث تفرقوا شيعاً وأحزاباً في شأنه، فقد بعضهم إنه إله، وقال بعضهم إنه ابن الإِله، وقال آخرون إنه ثالث ثلاثة، ثم ذكر تعالى أحوال القيامة وأهوالها، وختم السورة الكريمة ببيان صفات المعبود الحق، الواحد الأحد جلاَّ وعلا.
اللغَة: ﴿الأخلاء﴾ جمع خليل وهو الصديق الحميم ﴿تُحْبَرُونَ﴾ تُسرون وتفرحون، والحبورُ: السرور والفرح ﴿أَكْوَابٍ﴾ جمع كوب وهو القدح الذي لا عروة له ﴿مُبْلِسُونَ﴾ آيسون من الرحمة، وحزينون من شدة اليأس ﴿أبرموا﴾ أحكموا الشيء يقال: أبرم القوم أمرهم أحكموه، والإِبرام، الإِحكام ﴿يُؤْفَكُونَ﴾ يُقلبون ويُصرفون، أَفكه أفْكاً أي قلبه وصرفه عن الشيء.
سَبَبُ النّزول: عن مقاتل قال: مكر المشركون بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في دار الندورة، وتآمروا على قتله حين استقر أمرهم على ما أشار به أبو جهل عليهم، وهو أن يبرز من كل قبيلة رجل ليشتركوا في قتله وتضعف المطالبة بدمه فنزلت: ﴿أَمْ أبرموا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾.
التفسِير: ﴿فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ﴾ أي اختلفت فرق النصارى في شأن عيسى وصاروا شيعاً وأحزاباً فيه قال ابن كثير: صاروا شيعاً فيه، منهم من يُقرُّ بأنه عبدُ الله ورسولُه وهو الحقُّ، ومنهم من يدّعي أنه ولد الله، ومنهم من يقول إنه الله، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ أي فهلاكٌ ودمارٌ لهؤلاء الكفرة الظالمين من عذاب يومٍ مؤلم وهو يوم القيامة ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ أي هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون إلا إتيانَ الساعة ومجيئها فجأةً ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي وهم غافلون عنها مشتغلون بأمور الدنيا، وحينئذٍ يندمون حيث لا ينفعهم الندم، ثم ذكر تعالى أحوال القيامة فقال {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ