والأحوال الغريبة، والأمور البديعة، لعلامات باهرة على كمال قدرة الله وحكمته، لقوم يصدّقون بوجود الله ووحدانيته ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ أي وفي خلقكم أيها الناسُ من نطفةٍ ثم من علقة، متقلبة في أطوارٍ مختلفة إلى تمام الخلق، وفيما ينشره تعالى ويُفرقه من أنواع المخلوقات التي تدب على وجه الأرض، آياتٌ باهرةٌ أيضاً لقومٍ يصدّقون عن إذعانٍ ويقين بقدرة ربِّ العالمين ﴿واختلاف الليل والنهار﴾ أي وفي تعاقب الليل والنهار، دائبين لا يفتران، هذا بظلامه وذاك بضيائه، بنظام محكم دقيق ﴿وَمَآ أَنَزَلَ الله مِنَ السمآء مَّن رِّزْقٍ﴾ أي وفيما أنزله الله تبارك وتعالى من السحاب، من المطر الذي به حياة البشر في معاشهم وأرزاقهم قال ابن كثير: وسمَّى تعالى المطر رزقاً لأنه به يحصل الرزق ﴿فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ أي فأحيا بالمطر الأرض بعدما كانت هامدةً يابسة لا نبات فيها ولا زرع، فأخرج فيها من أنواع الزروع والثمرات والنبات ﴿وَتَصْرِيفِ الرياح﴾ أي وفي تقليب الرياح جنوباً وشمالاً، باردة وحارة ﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي علامات ساطعة واضحة على وجود الله ووحدانيته، لقومٍ لهم عقول نيّرة وبصائر مشرقة قال الصاوي: ذكر الله سبحانه وتعالى من الدلائل ستةً في ثلاث آيات، ختم الأولى ب ﴿لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾، والثانية ب ﴿يُوقِنُونَ﴾ والثالثة ب ﴿يَعْقِلُونَ﴾ ووجه التغابر بينها في التعبير أن الإِنسان إذا تأمل في السمواتِ والأرض، وأنه لا بدَّ لهما من صانع آمن، وإِذا نظر في خلق نفسه ونحوها ازداد إيماناً فأيقن، وإِذا نظر في سائر الحوادث كمل عقله واستحكم علمه ﴿تَلْكَ آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بالحق﴾ أي هذه آيات الله وحججه وبراهينه، الدالة على وحدانيته وقدرته، نقصُّها عليك يا محمد بالحق المبين الذي لا غموض فيه ولا التباس ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ ؟ أي وإِذا لم يصدِّق كفار مكة بكلام الله، ولم يؤمنوا بحججه وبراهنيه، فبأي كلامٍ يؤمنون ويصدِّقون؟ والغرضُ استعظام تكذيبهم للقرآن بعد وضوح بيانه وإِعجازه ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ أي هلاك ودمارٌ لكل كذَّاب مبالغٍ في اقتراف الآثام قال الرازي: وهذا وعيدٌ عظيم، والأَفاك الكذَّاب، والأثيمُ المبالغ في اقتراف الآثام ﴿يَسْمَعُ آيَاتِ الله تتلى عَلَيْهِ﴾ أي يسمع آيات القرآن تُقرأ عليه، وهي في غاية الوضوح والبيان ﴿ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا﴾ أي ثم يدوم على حاله من الكفر، ويتمادى في غيّه وضلاله، مستكبراً عن الإِيمان بالآيات كأنه لم يسمعها ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي فبشّره يا محمد بعذاب شديد مؤلم، وسمَّاه «باشرة» تهكماً بهم، لأن البشارة هي الخبر السارُّ قال في التسهيل: وإِنما عطفه ب «ثم» لاستعظام الإِصرار على الكفر بعد سماعه آيات الله، واستبعاد ذلك في العقل والطبع قال المفسرون: نزلت في «النضر بن الحارث» كان يشتري أحاديث الأعاجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، والآيةُ عامةٌ في كل من كان موصوفاً بالصفة المذكورة ﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتخذها هُزُواً﴾ أي إِذا بلغه شيء من الآيات التي أنزلها الله على محمد، سخر واستهزأ بها ﴿أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ أي أولئك الأفاكون المستهزءون بالقرآن لهم عذاب شديد مع الذل والإِهانة ﴿مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ أي أمامهم


الصفحة التالية
Icon