يَكْسِبُونَ} وعيدٌ وتهديد أي ليجازي الكفرة المجرمين بما اقترفوه من الإِثم والإِجرام، والتنكيرُ للتحقير ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا﴾ أي من فعل خيراً في الدنيا فنفعُه لنفسه، ومن أرتكب سوءاً وشراً فضرره عائد عليها، ولا يكاد يسري عملٌ إلى غير عامله ﴿ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ أي ثم مرجعكم يوم القيةم إلى الله وحده، فيجازي كلاً بعمله، المحسنَ بإِحسانه، والمسيءَ بإِساءته.
. ولما ذكَّر بالنعم العامة أردفه بذكر النعم الخاصة على بني إِسرائيل فقال ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بني إِسْرَائِيلَ الكتاب والحكم والنبوة﴾ أي والله لقد أعطينا بني إِسرائيل التوراة، وفصل الحكومات بين الناس، وجعلنا فيهم الأنبياء والمرسلين ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات﴾ أي ورزقناهم من أنواع النعم الكثيرة من المآكل والمشارب، والأقوات والثمار ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العالمين﴾ أي وفضلناهم على سائر الأمم في زمانهم قال الصاوي: والمقصود من ذلك تسليته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كأنه قال: تحزن يا محمد على كفر قومك، فإِننا آتينا بني إِسرائيل الكتاب والنعم العظيمة، فلم يشكروا بل أصرُّوا على الكفر، فكذلك قومك ﴿وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأمر﴾ أي وبينا لهم في التوراة أمر الشريعة وأمر محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على أكمل وجه قال ابن عباس: يعني أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وشواهد نبوته بأنه يُهاجر من تهامة إلى يثرب وينصره أهلها ﴿فَمَا اختلفوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم﴾ أي فما اختلفوا في ذلك الأمر، إلا من بعد ما جاءتهم الحجج والبراهين والأدلة القاطعة على صدقه ﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ أي حسداً وعناداً وطلباً للرياسة قال الإِمام الفخر: والمقصودُ من الآية التعجبُ من هذه الحالة، لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الخلاف، وههنا صار العلم سبباً لحصول الاختلاف، لأنه لم يكن مقصودهم نفس العلم وإِنما المقصود منه طلب الرياسة والتقدم، فلذلك علموا وعاندوا ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ أي هو جل وعلا الذي يفصل بين العباد يوم القيامة فيما اختلفوا فيه من أمر الدين، وفي الآية زجرٌ للمشركين أن يسلكوا مسلك من سبقهم من الأمم العاتية الطاغية ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ على شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمر فاتبعها﴾ أي ثم جعلناك يا محمد على طريقة واضحة، ومنهاجٍ سديد رشيد من أمر الدين، فاتبع ما أوحىإليك ربك من الدين القيّم ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي تتَّبع ضلالال المشركين قال البيضاوي: لا تتبع آراء الجهال التابعة للشهوات، وهم رؤساء قريش حيث قالوا: ارجع إلى دين آبائك ﴿إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ الله شَيْئاً﴾ أي لن يدفعوا عنك شيئاً من العذاب إن سايرتهم على ضلالهم ﴿وَإِنَّ الظالمين بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ أي وإن الظالمين يتولى بعضهم بعضاً في الدنيا ولا ولي لهم في الآخرة ﴿والله وَلِيُّ المتقين﴾ أي وهو تعالى ناصر ومعين المؤمنين المتقين في الدنيا والآخرة ﴿هذا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ أي هذا القرآن نور وضياء للناس بمنزلة البصائر في القلوب، وهو رحمة لمن آمن به وأيقن.


الصفحة التالية
Icon