أي قل إن افتريتُه على سبيل الفرض فالله حسبي في ذلك كوهو الذي يعاقبني على الافتراء عليه، ولا تقتدرون أنتم على أن تردُّوا عني عذاب الله، فكيف أفتريه من أجلكم وأتغرض لعقابه؟ ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ أي هو جل وعلا أعلمُ بما تخوضون في القرآن وتقدحون به من قولكم هو شعر، هو سحر، هو افتراء، وغير ذلك من وجوه الطعن ﴿كفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أي كفى أن يكون تعالى شاهداً بيني وبينكم، يشهد لي بالصدق والتبليغ، ويشهد عليكم بالجحود والتكذيب ﴿وَهُوَ الغفور الرحيم﴾ أي وهو الغفور لمن تاب، الرحيم بعابده المؤمنين قال أبو حيان: وفيه وعدٌ لهم بالغفران والرحمة إن رجعوا عن الكفر، وإِشعارٌ بحلمه تعالى عليهم إِذْ لم يعالجهم بالعقوبة ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل﴾ أي لست أول رسول طرق العالمم، ولا جئت بأمرٍ لم يجىء به أحدٌ قبلي، بل جئت بما جاء به ناسٌ كثيرون قبلي، فلأيّ شيءٍ تنكرون ذلك عليَّ؟ والبدْعُ والبديعُ من الأشياء هو الذي لم يُر مثله قال ابن كثير: أي ما أنا بالأمر الذى لا نظير له حتى تستنكروني وتستبعدوا بعثتي إليكم، فقد أرسل الله قبلي جميع الأنبياء إلى الأمم ﴿وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ﴾ أي ولا أدري بما يقضي الله عليَّ وعليكم، فإن قدر الله مغيَّب ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ﴾ أي لا أتبع إلا ما ينزله اللهُ عليَّ من الوحي، ولا أبتدع شيئاً من عندي ﴿وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ أي وما أنا إلا رسولٌ منذرٌ لكم من عذاب الله، بيّن الإِنذار بالشواهد الظاهرة، والمعجزات الباهرة ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ﴾ أي قل يا محمد: أخبروني يا معشر المشركين إن كان هذا القرآن كلام الله حقاً وقد كذبتم به وجحتموه وجوابه محذوف تقديره: كيف يكون حالكم؟ ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ على مِثْلِهِ فَآمَنَ واستكبرتم﴾ أي وقد شهد رجل من علماء بني إِسرائيل على صدق القرآن، فآمن به واستكبرتم أنتم عن الإِيمانت، كيف يكون حالكم، ألستم أض الناس وأظلم الناس؟ قال الزمخشري: وجوابُ الشرط محذوف تقديره: إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين؟ ودلَّ على هذا المحذوف قوله تعالى ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾ أي لا يوفق للخير والإِيمان من كان فاجراً ظالماً قال المفسرون: والشاهدُ من بني إسرائيل هو «عبد الله بن سلام» وذلك حين قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ المدينة جاء إليه ابن سلام ليمتحنه، فلما نظر إلى وجهه علم أن ليس بوجه كاذب، وتأمله فتحقق أنه هو النبي المنتظر، فقال له: إني سائلك عن ثلاثٍ لا يعملهنَّ إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أُمه؟ فلما أجابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: أشهد أنك رسول الله حقاً.
. الخ ثم ردَّ تعالى على شبهةٍ أخرة من شبه المشركين فقال ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ﴾ أو وقال كفار مكة في حق المؤمنين: لو كان هذا القرآن والدين خيراً ما سبقنا إليه هؤلاء الفقراء الضعفاء!! وقال ابن كثير: يعنون «بلالاً» و «عماراً» و «صيهباً» و «خباباً» وأشباههم من المستضعَفين والعبيد والإِماء ممن أسلم


الصفحة التالية
Icon