عنكم الذنوب والآثام ﴿وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي ويخلِصْكم وينجكم من عذاب شديد مؤلمٍ ﴿وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرض﴾ هذا ترهيبٌ بعد الترغيب أي ومن لم يؤمن بالله ويستجيب لدعوة رسوله، فإِنه لا يفوت الله طلباً، ولا يعجزه هرباً ﴿وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ﴾ أي وليس له أنصار يمنعونه من عذاب الله ﴿أولئك فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي أولئك الذي لا يستجيبون لدعوة الله في خسرانٍ واضح، وإِلى هنا آخر كلام الجن الذين سمعوا القرآن، ثم ذكر تعالى الأدلة على قدرته ووحدانيته فقال ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض﴾ أي أولم يعلم هؤلاء الكفار المنكرون للبعث والنشرو أن الله العظيم القدير الذي خلق السمواتِ والأرض ابتداءً من غير مثال سابق ﴿وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ﴾ أي ولم يضعف ولم يتعب بخلقهنَّ ﴿بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى﴾ ؟ أي قادرٌ على أن يعيد الموتى بعد الفناء، ويحييهم بعد تمزق الأشلاء؟ ﴿بلى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي بلى إنه تعالى قادر لا يعجزه شيء، فكما خلقهم يعيدهم ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ على النار﴾ أي واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين الأهوال والشدائد التي يرونها في الآخرة، وذكّرهم يوم يُعرضون على النار فيقال لهم ﴿أَلَيْسَ هذا بالحق﴾ ؟ أي أليس هذا العذاب الذي تذوقونه حقٌّ؟
﴿أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ﴾ [الطور: ١٥] ﴿قَالُواْ بلى وَرَبِّنَا﴾ أي قالوا بلى وعزة ربنا، أكَّدوا كلامهم بالقسم طعماً في الخلاص قال الفخر الرازي: والمقصود بالآية التهكمُ بهم، والتوبيخ على استهزائهم بوعد الله ووعيده وقولهم: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الشعراء: ١٣٨] ﴿قَالَ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ أي فيقال لهم: ذوقوا العذاب الأليم بسبب كفركم ﴿فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل﴾ أي فاصبر يا محمد على أذى المشركين كما صبر مشاهير الرسل الكرام وهم «نوح وإبراهيم وموسى وعيسى» ﴿وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ﴾ أي ولا تدع على كفار قريش تعجيل العذاب فإِنه نازل بهم لا محالة ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ﴾ أي كأنهم حين يعاينون العذاب في الآخرة لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعةً واحدة من النهار، لما يشاهدون من شدة العذاب وطوله ﴿بَلاَغٌ﴾ أي هذا بلاغ وإِنذار ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون﴾ أي لا يكون الهلاك والدمار إلا للكافرين الخارجين عن طاعة الله.
تنبيه: قال المفسرون: «إن الجنَّ كانوا يسترقون السمع، فلما حُرست السماء بالشهب، قال إبليس: إن هذا الذي حدث بالسماء من أمر حدث في الأرض، فبعث سراياه ليعرف الخبر، فذهب ركبٌ من نصيبين وهم أشراف الجن إلى تهامة، فلما بلغوا باطن نخلة سمعوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يصلي ويتلو القرآن، فاستمعوا له وقالوا: أنصتوا ثم لما انتهى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من القراءة آمنوا ثم رجعوا إلى قومهم منذرين فدعوهم إلى الإِيمان، وجاءوا بعد ذلك جماعات جماعات إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فذلك سبب قوله تعالى ﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن﴾.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - التعجيز ﴿ائتوني بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هاذآ﴾ [الأحقاف: ٤] أمرٌ يراد منه التعجيز.
٢ - جناس الاشتقاق ﴿يَدْعُواْ.. وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ﴾ ومثله ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ﴾ [الأحقاف: ١٠].
٣ -


الصفحة التالية
Icon