جمع جِبلَّة ومنه «والجبِلَّة الأولين» مشتق من جبل اللهُ الخلق أي خلقهم ﴿لَطَمَسْنَا﴾ الطمسُ: إذهابُ الشيء وأثره جملةً كأنه لم يوجد ﴿اصلوها﴾ ادخلوها وذوقوا سعيرها ﴿لَمَسَخْنَاهُمْ﴾ المسخ: التحويل من صورة إلى صورة منكرة ﴿نُّعَمِّرْهُ﴾ التعمير: إطالة العمر حتى يبلغ سن الشيخوخة ﴿نُنَكِّسْهُ﴾ التنكيس: قلب الشيء رأساً على عقب يقال: نكستُ الشيء نكساً إذا قبلته على رأسه ومنه ﴿ثُمَّ نُكِسُواْ على رُءُوسِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٦٥] ﴿رَمِيمٌ﴾ الرميم: البالي المفتَّت يقال رمَّ العظم أي بلى فهو رميم.
سَبَبُ النّزول: روي «أن» أُبي بن خلَف «من صناديد كفار قريش جاء بعظم بالٍ إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ففتَّه بيده ثم قال: أتزعم يا محمد أن الله يُحيي هذا بعدما رمَّ؟ فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نعم يحييه، ثم يبعثك ويدخلك النار فأنزل الله تعالى ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ ».
التفسِير: بعد أن بيَّن تعالى حال السعداء ذكر حال الأشقياء فقال ﴿وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون﴾ أي تميزوا وانفصلوا يا معشر الكفرة المجرمين عن عبادي المؤمنين، انفردوا عنهم وكونوا جانباً قال القرطبي: يقال لهم هذا عند الوقوف للسؤال، وحين يؤمر بأهل الجنة إلى الجنة ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابنيءَادَمَ﴾ الاستفهام للتوبيخ والتقريع، وهو تبويخٌ للكفرة المجرمين أي ألم أوصكم وآمركم يا بني آدم على ألسنة رسلي ﴿أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان﴾ أي ألاّ تطيعوا الشيطان فيما دعاكم إليه من معصيتي؟ ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ تعليلٌ للنهي أي لأنه عدوٌ لكم ظاهر العداوة، فكيف يطيع الإِنسان عدوه؟ ﴿وَأَنِ اعبدوني﴾ أي وأمرتكم بأن تعبدوني وحدي، بتوحيدي وطاعتي وامتثال أمري ﴿هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ أي هذا هو الدين الصحيح، والطريق الحقُّ المستقيم ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً﴾ تأكيد للتعليل أي ولقد أضلَّ الشيطان خلقاً منكم كثيرين، وأغواهم عن سلوك طريق الحقَّ قال الطبري: أي صدَّ الشيطان منكم خلقاُ كثيراً عن طاعتي حتى عبده ﴿أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ﴾ أي أفما كان لكم عقل يردعكم عن طاعة الشيطان ومخالفة أمر ربكم؟ وهو توبيخ آخر للكفرة الفجار.. ثم بشرهم بما ينتظرهم من العذاب فقال ﴿اذه جَهَنَّمُ التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ أي هذه نار جهنم التي أوعدكم بها الرسل وكذبتم بها قال الصاوي: هذا خطاب لهم وهم على شفير جهنم، والمقصود منه زيادة التبكيث والتقريع ﴿اصلوها اليوم بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ أي ذوقوا حرارتها وقاسوا أنواع عذابها اليوم بسبب كفركم في الدنيا، وهو أمر إهانةٍ وتحقير مثل قوله
﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم﴾ [الدخان: ٤٩] ثم أخبر تعالى عن فضيحتهم يوم القيامة على رءوس الأشهاد فقال ﴿اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ﴾ أي في هذا اليوم يوم القيامة نختم على أفواه الكفار ختماً يمنعها عن الكلام ﴿وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ أي تنطق عليهم جوارحهم أيديهم وأرجلهم