كما تفسد ألبان الدنيا وفي حديث مرفوع «لم يخرج من ضروع الماشية» ﴿وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ﴾ أي وأنهار جاريات من خمرٍ لذيذة الطعم يتلذذ بها الشاربون لأنه ﴿لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ﴾ [الصافات: ٤٧] وإِنما قيَّدها بأنها لذة للشاربين، لأن الخمر كريهة الطعم في الدنيا لا يلتذ بها إلاَّ فاسد المزاج، وأما خمر الآخةر فهي طيبة الطعم والرائحة، يشربها أهل الجنة لمجرد الالتذاذ ﴿وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾ أي وأنهارٌ جارياتٌ من عسل في غاية الصفاء وحسن اللون والريح، لم يخرج من بطون النحل قال أبو السعود: ﴿عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾ أي لم يخالطه الشمع وفضلات النحل ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثمرات﴾ أي ولهم في الجة أنواعٌ متعددة من جميع أصناف الفواكه والثمار قال في حاشية البيضاوي: وفي ذكر الثمرات بع المشروب إشارة إِلى أنَّ مأكول أهل الجنة للَّذَّة لا للحاجة ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ أي ولهم فوق ذلك النعيم الحسن نعيمٌ روحي وهو المغفرة من الله مع الرحمة والرضوان وفي الحديث «أُحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعد أبداً» قال الصاوي: في الجنة ترفع عنهم التكاليف فيما يأكلونه ويشربونه، بخلاف الدنيا فإِن مأكولها ومشروبها يترتب عليه الحساب والعقاب، ونعيم الآخرة لا حساب عليه ولا عقاب فيه ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النار﴾ أي كمن هو مخلَّدٌ في الجحيم؟ والاستفهام للإِنكار أي لا يستوي من هو في ذلك النعيم المقيم، بمن هو خالد في الجحيم؟ ﴿وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ﴾ أي وسُقوا مكان تلك الأشربة ماءً حاراً شديد الغليان، فقطَّع أحشاءهم من فرط حرارته؟ قال المفسرون: بلغ الماء الغاية في الحرارة، إِذا دنا منهم شوى وجوههم، ووقعت فروة رءوسهم، فإِذا شربوه قطَّع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم ولما بيَّن تعالى حال الكافرين، ذكر حال المنافقين فقال: ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ أي ومن هؤلاء المنافقين جماعة يستمعن إِلى حديثك يا محمد ﴿حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ﴾ أي حتى إِذا أخرجوا من مجلسك ﴿قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم مَاذَا قَالَ آنِفاً﴾ أي قالوا العلماء الصحابة كابن عباس وابن مسعود ماذا قال محمدٌ قريباً في تلك الساعة؟ قال ابن كثير: أخبر تعالى عن المناقين في بلادتهم وقلة فهمهم، حيث كانوا يجلسون إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويستمعمن كلامه، فلا يفهمون منه شيئاً، فإِذا خرجوا من عنده قالوا لأهل العلم من الصحابة: ماذا قال محمد ﴿آنِفاً﴾ أي الساعة، لا يعقلون ما قال ولا يكترثون به ﴿أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ﴾ أي ختم على قلوبهم بالكفر ﴿واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ﴾ أي ساورا وراء أهوائهم الباطلة ﴿والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ أي وأما المؤمنون المتقون فقد زادهم الله هدى وألهمهم رشدهم قال الإِمام الفخر: لما بيَّن تعالى أن المنافق يستمع ولا ينتفع، ويستعيد ولا يستفيد، بيَّن أن حال المؤمن المهتدي بخلافه، فإِنه يستمع فيفهم، ويعمل بما يعلم، وفيه فائدة وهو قطع عذر المنافق، فإنه لو قال ما فهمت كلامه لغموضه، يُردُّ عليه بان المؤمن فهم واستنبط، فذلك لعماء القلوب لا الخفاء المطلوب ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ أي


الصفحة التالية
Icon