هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} أي ها أنتم معشر المخاطبين تُدعون للإِنفاق في سبيل الله، وقد كلفتم ما تطيقون ﴿فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ﴾ أي فمنكم من يشح عن الإِنفاق ويمسك عنه ﴿وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ﴾ أي ومن بخل عن الإِنفاق في سبيل الله فإِنما يعود ضرر بخله على نفسه، لأنه يمنعها الأجر والثواب قال الصاوي: وبخل يتعدى ب «على» إِذا ضُمِّن معنى شحذَ، وب «عن» إِذا ضُمِّن معنى أمسك ﴿والله الغني وَأَنتُمُ الفقرآء﴾ أي واللهُ مستغن عن إنفاقكم ليس بمحتاج إِلى أموالكم، وأنتم محتاجون إليه ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ أي وإِن تعرضوا عن طاعته واتباع أوامره، يخلف مكانكم قوماً آخرين يكونون أطوع لله منكم ﴿ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم﴾ أي لا يكونون مثلكم في البخل عن الإِنفاق بل يكونوا كرماء أسخياء.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - المقابلة بين الآية الأولى والثانية ﴿الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ١] وبين ﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ [محمد: ٢] الآية وهو من المحسنات البديعية.
٢ - ذكر الخاص بعد العام ﴿وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ﴾ [محمد: ٢] والنكتة تعظيمه والاعتناء بشأنه.
٣ - الاستعارة التبعية ﴿تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا﴾ [محمد: ٤] شبَّه ترك القتال بوضع آلته، واشتق من الوضع «تضع» بمعنى تنتهي وتترك بطريق الاستعارة التبعية.
٤ - المجاز المرسل ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: ٧] أطلق الجزء وأراد الكل أي يثبتكم، وعبَّر بالأقدام لأن الثبات التزلزل يظهران فيهاوهو مثل ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠].
٥ - الطباق بين ﴿مَنًّا.. وفِدَآءً﴾ وبين ﴿آمَنُواْ.. وكَفَرُواْ﴾ وبين ﴿الغني.. والفقرآء﴾.
٦ - المجاز العقلي ﴿فَإِذَا عَزَمَ الأمر﴾ نسب العزم إلى الأمر وهو لأهله مثل نهاره صائم.
٧ - الالتفات ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب لتأكيد التوبيخ وتشديد التقريع.
٩ - الاستعارة التصريحية ﴿أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾ شبَّه قلوبهم بالأبواب المقفلة، فإِنها لا تنفتح لوعظ واعظ، ولا يفيد فيها عذل عاذل، وهي من لطائف الاستعارات.
١٠ - الإِطناب بتكرار ذكر الأنهار ﴿فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ..﴾ [محمد: ١٥] الآية وذلك لزيادة التشويق إلى نعيم الجنة.
١١ - الكناية ﴿ارتدوا على أَدْبَارِهِمْ﴾ كناية عن الكفر بعد الإِيمان.
١٢ - السجع الرصين غير المتكلف ﴿أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ. واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ. وأعمى أَبْصَارَهُمْ﴾ الخ وهو من المحسنات البديعية.