لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً} أي بل ظننتم أيها المنافقون أن محمداً وأصحابه لن يرجعوا إلى المدينة أبداً ﴿وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي وزُيّن ذلك الضلال في قلوبكم ﴿وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء﴾ أي ظننتم أنهم يُسْتأصلون بالقتل، ولا يرجع منهم أحد ﴿وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً﴾ أو وكنتم قوماً هالكين عند الله، مستوجبين لسخطه وعقابه ﴿وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ﴾ لما بيَّن حال المتخلفين عن رسول الله، وبيَّن حال ظنهم الفاسد، وأنه يفضي بصاحبه إلى الكفر، حرَّضهم على الإِيمان والتوبة على سبيل العموم والمعنى من لم يؤمن بالله ورسوله بطريق الإِخلاص والصدق ﴿فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً﴾ أي فإِنَّا هيأنان للكافرين ناراً شديدة مستعرة، وهو وعيدٌ شديد للمنافقين ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض﴾ أي له جل وعلا جميع ما في السموات والأرض، يتصرف في الكل كيف يشاء ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ﴾ أي يرحم من يشاء من عباده ويُعذب من يشاء، وهذا قطع لطمعهم في استغفار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لهم ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي واسع المغفرة عظيم الرحمة ﴿سَيَقُولُ المخلفون إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا﴾ أي سيقول الذين تخلَّفوا عن الخروج مع رسول الله في عمرة الحديبية، عند ذهابكم إلى مغانم خيبر لتحصلوا عليها ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ﴾ أي اتركونا نخرج معكم إلى خيبر لنقاتل معكم ﴿يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ الله﴾ أي يريدون أن يُغيّروا وعد الله الذي وعده لأهل الحديبية من جعل غنائم خيبر لهم خاصة لا يشاركهم فيها أحد قال القرطبي: إن الله تعالى جعل لأهل الحديبية غنائم خيبر عوضاً عن فتح مكة إذ رجعوا من الحديبية على صلح ﴿قُل لَّن تَتَّبِعُونَا﴾ أي قل لهم لا تتبعونا فلن يكون لكم فيها نصيب ﴿كذلكم قَالَ الله مِن قَبْلُ﴾ أي كذلكم حكم الله تعالى بأن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية، ليس لغيرهم فيها نصيب قبل رجوعنا منها ﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ أي فسيقولون ليس هذا من الله بل هو حسد منكم لنا على مشاركتكم في الغنيمة، قال تعالى ردّاً عليهم ﴿بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي لا يفهمون إِلا فهماً قليلاً وهو حرصهم على الغنائم وأمور الدنيا ﴿قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعراب سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ أي قل لهؤلاء الذين تخلفون عن الحديبية كرَّر وصفهم بهذا الإِسم إظهاراً لشناعة ومبالغةً في ذمهم ستُدعون إلى حرب قوم أشداء، هم بنو حنيفة قوم مسليمة الكذاب أصحاب الردة ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ أي إما أن تقتلوهم أو يدخلوا في دينكم بلا قتال ﴿فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ الله أَجْراً حَسَناً﴾ أي فإِن تستجيبوا وتخرجوا لقتالهم يعطكم الله الغنيمة والنصر في الدنيا، والجنة في الآخرة ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ أي وإن تتخلفوا عن الخروج كما تخلفتم زمن الحديبية، يعذبكم اللهُ عذاباً شديداً مؤلماً في نار جهنم.
. ثم ذكر تعالى الأعذار في ترك الجهاد فقال ﴿لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ﴾ أي ليس على هؤلاء إِثم أو ذنب في ترك الخروج للجهاد لما بهم من الأعذار الظاهرة ﴿وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي من يطع أمر الله وأمر الرسول يدخله جنات النعيم خالداً فيها ﴿وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً﴾ أي ومن ينكل عن الجهاد لغير عذر يعذبه الله عذاباً شديداً، في الدنيا بالمذلة وفي الآخرة بالنار.


الصفحة التالية
Icon