سَبَبُ النّزول: عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أن ثمانين من أهل مكة هبطوا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من التنعيم مستلحين يريدون الغدر به وبأصحابه فأخذناهم أسرى فأنزل الله تعالى ﴿وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ... ﴾ الآية.
التفسِير: ﴿لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة﴾ اللام موطئة لقسم محذوف وأي والله لقد رَضِيَ اللَّهُ عَنْ المؤمنين حين بايعوك يا محمد «بيعة الرضوان» تحت ظل الشجرة بالحديبية قال المفسرون: كان سبب هذه البيعة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما بلغ الحديبية أرسل عثمان بن عفان إلى أهل مكة يخبرهم أنه إِنما جاء معتمراً، وأنه لا يريد حرباً، فلما ذهب عثمان حبسوه عندهم، وجاء الخبر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن عثمان قد قتل، فدعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الناس إلى البيعة على أن يدخلوا مكة حرباً، وبايعوه على الموت، فكانت بيعت الرضوان، فلما بلغ المشركين ذلك أخذهم الرعب وأطلقوا عثمان وطلبوا الصلح من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على أن يأتي في العام القابل، ويدخلها وقيم فيها ثلاثة أيام، وكانت هذه البيعة تحت شجرة سمرة بالحديبية وقد سميت «بيعة الرضوان» ولما رجع المسلمون يعلوهم الحزنُ والكآبة، أراد الله تسليتهم وإِذهاب الحزن عنهم فأنزل الله هذه السورة على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد مرجعه من الحديبية ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً﴾ [الفتح: ١] وكان عدد الذين بايعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ألفاً وأربعماةئ رجل، وفيهم نزلت الآية الكريمة ﴿لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة﴾ ولم يتخلف عن البيعة إلا «الجد بن قيس» من المنافقين، وحضر هذه البيعة روح القدس جبريل الأمين، ولهذا سُطرت في الكتاب المبين ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أي فعلم تعالى ما في قلوبهم من الصدق والوفاء، عند مبايعتهم لك على حرب الأعداء ﴿فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ﴾ أي رزقهم الطمأنينة وسكون النفس عند البيعة ﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾ أي وجازاهم على بيعة الرضوان بفتح خيبر، وما فيها من النصر والغنائم، زيادةً على ثواب الآخرة ﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا﴾ أي وجعل لهم الغنائم الكثيرة التي غنموها من خيبر قال ابن كثير: هو ما أجرى الله عَزَّ وَجَلَّ على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير والعامِّ بفتح خبير، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم، وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى ﴿وَكَان الله عَزِيزاً حَكِيماً﴾ أي غالباً على أمره، حكيماً في تدبيره وصعنه، ولهذا نصركم عليهم وغنَّمكم أرضهم وديارهم وأموالهم ﴿وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا﴾ أي وعدكم الله معشر المؤمنين على جهادكم وصبركم الفتوحات الكثيرة، والغنائم الوفيرة تأخذونها من أعدائكم، قال ابن عباس: هي المغانم التي تكون إلى يوم القيامة قال في البحر: ولقد اتَّسع نطاق الإِسلام، وفتح المسلمون فتوحاً لا تُحصى، وغنموا مغانم لا تُعدُّ وذلك في شرق البلاد وغربها، حتى في الهند


الصفحة التالية
Icon