أَخْرَجَ شَطْأَهُ} أي ومثلهم في الإِنجيل كزرعٍ أخرج فراخه وفروعه ﴿فَآزَرَهُ فاستغلظ﴾ أي فقوَّاه حتى صار غليظاً ﴿فاستوى على سُوقِهِ﴾ أي فقام الرزع واستقام على أصوله ﴿يُعْجِبُ الزراع لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار﴾ أي يعجب هذا الزرع الزراع، بقوته وكثافته وحسن منظره، ليغتاظ بهم الكفار قال الضحّاك: هذا مثل في غاية البيان، فالزرع محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، والشطءُ أصحابُه، كانوا قليلاً فكثروا، وضعفاء فقووا، وقال القرطبي: وهذا مثلٌ ضربه الله تعالى لأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعني أنهم يكونون قليلاً ثم يزدادون ويكثرون، فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين بدأ بالدعوة ضعيفاً، فأجابه الواحد بعند الواحد حتى قوي أمره، كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفاً فيقوى حالاً بعد حال حتى يغلظ نباته، وأفراخه، فكان هذا من أصح مثل وأقوى بيان ﴿وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ أي وعدهم تعالى بالآخرة بالمغفرة التامة والأجر العظيم والرزق الكريم في جنات النعيم، اللهم أرزقنا مجبتهم يا رب العالمين.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق بين ﴿مَا تَقَدَّمَ.. وَمَا تَأَخَّرَ﴾ وبين ﴿وَمُبَشِّراً.. وَنَذِيراً﴾ وبين ﴿بُكْرَةً.. وَأَصِيلاً﴾ وبين ﴿نَّكَثَ.. وأوفى﴾ وبين ﴿أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً﴾ [الفتح: ١١] وبين ﴿يَغْفِرُ.. وَيُعَذِّبُ﴾ وبين ﴿مُحَلِّقِينَ.. وَمُقَصِّرِينَ﴾ وبين ﴿أَشِدَّآءُ.. ورُحَمَآءُ﴾.
٢ - المقابلة بين ﴿لِّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ..﴾ [الفتح: ٥] الآية وبين ﴿وَيُعَذِّبَ المنافقين والمنافقات﴾ [الفتح: ٦] ألآية.
٣ - الاستعارة التصريحية المكنية ﴿إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح: ١٠] شبَّه المعاهدة على التضحية بالأنفس في سبيل الله طلباً لمرضاته بدفع السِّلع في نظير الأموال، واستعير اسم المشَّبه به للمشبه واشتق من البيع يبايعون بمعنى يعاهدون على دفع أنفسهم في سبيل الله، والمكنية في قوله ﴿يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ شبَّه اطلاع الله على مبايعتهم ومجازاته على طاعتهم بملكٍ وضع يده على يد أميره ورعيته، وطوى ذكر المشبَّه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو اليد على طريق الاستعارة المكنية، ففي الآية استعارتان.
٤ - الكناية ﴿لَوَلَّوُاْ الأدبار﴾ كناية عن الهزيمة لأن المنهزم يدير ظهره لعوده للهرب.
٥ - التعبير بصيغة المضارع لاستحضار صورة المبايعة ﴿لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ..﴾.
٦ - الالتفات من ضمير الغائب إلى الخطاب ﴿وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ﴾ بعد قوله تعالى ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ﴾ وذلك لتشريف المؤمنين في مقام الامتنان.
٧ - الإِطناب بتكرار الحرج ﴿لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ﴾ [الفتح: ١٧] لتأكيد نفي الإِثم عن أصحاب الأعذار.
٨ - التشبيه التمثيلي ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فاستغلظ فاستوى على سُوقِهِ..﴾ الآية لأن وجه الشبه منتزعٌ من متعدد.
٩ - مراعاة الفواصل في نهاية الآيات وهو من المحسنات البديعية.


الصفحة التالية
Icon