فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأمر لَعَنِتُّمْ} أي لو يسمع وشاياتكم، ويصغي بسمعه لإِراتكم، ويطيعكم في غالب ما تشيرون عليه من الأمور، لوقعتكم في الجهد والهلاك قال ابن كثير: أي اعلموا أنَّ بين أظهركم رسو لالله فعظّموه ووقروه، فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم، ولو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدَّى لك ذلك إلى عنتكم وحرجكم ﴿ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان﴾ أي ولكنه تعالى بمنّه وفضله نوَّر بصائركم فحبَّب إلى نفوسكم الإِيمان ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي وحسَّنه في قلوبكم، حتى أصبح أغلى عندكم من كل شيء ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان﴾ أي وبغَّض إلى نفوسكم أنواع الضلال، من الكفر والمعاصي والخروج عن طاعة الله قال ابن كثير: والمراد بالفسوق الذنوبُ الكبار، وبالعصيان جميع المعاصي ﴿أولئك هُمُ الراشدون﴾ أي أولئك المتصفون بالنعوت الجليلة هم المهتدون، الراشدون في سيرتهم وسلوكهم، والجملة تفيد الحصر أي هم الراشدون لا غيرهم ﴿فَضْلاً مِّنَ الله وَنِعْمَةً﴾ أي هذا العطاء تفضلٌ منه تعالى عليكم وإِنعام ﴿والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي عليمٌ بمن يستحق الهداية، حكيم في خلقه وصنعه وتدبيره.. ثم عقَّب تعالى ما يترتب على سماع الأنباء المكذوبة من تخاصم وتباغضٍ وتقاتل فقال ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا﴾ أي وإنْ حدث أنَّ فئتين وجماعتين من إخوانكم المؤمنين جنحوا إلى القتال فأصلحا بينهما، واسعوا جهدكم للإِصلاح بينهما، والجمعُ ﴿اقتتلوا﴾ باعتبار المعنى، والتثنية ﴿بَيْنَهُمَا﴾ باعتبار اللفظ ﴿فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى﴾ أي فإِن بغت إحداهما على الأخرى، وتجاوزت حدَّها بالظلم والطغيان، ولم تقبل الصلح وصمَّمت على البغي ﴿فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله﴾ أي فقاتلوا الفئة الباغية حتى ترجع إلى حكم الله وشرعه، وتُقلع عن البغي والعدوان، وتعمل بمقتضى أخوة الإِسلام ﴿فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل وأقسطوا﴾ أي فإن رجعت وكفَّت عن القتال فأصلحوا بينهما بالعدل، دون حيفٍ على إِحدى الفئتين، واعدلوا في جميع أموركم ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾ أي يحبُّ العادلين الذين لا يجورون في أحكامهم قال البيضاوي: والآية نزلت في قتالٍ حدث بين «الأوس» و «الخزرج» في عهده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان فيه ضرب السَّعف والنعال، وهي تدلُّ على أن الباغي مؤمن، وأنه إِذا كفَّ عن الحرب ترك، وأنه يجب تقديم النصح والسعي في المصالحة ﴿إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ﴾ أي ليس المؤمنون إلا اخوة، جمعتهم رابطة الإِيمان، لا ينبغي أن تكون بينهم عداوة ولا شحناء، ولا تباغضٌ ولا تقاتل قال المفسرون: ﴿إِنَّمَا﴾ لحصر فكأنه يقول: لا أخوَّة إلا بين المؤمنين، ولا أخوة بين مؤمن وكافر، وفي الآية إشارة إلى أنْ أخوة الإِسلام أقوى من أخوَّة النسب، بحيث لا تعتبر أخوَّة النسب إذا خلت عن أخوة الإِسلام ﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ أي فأصلحوا بين إخوانكم المؤمنين، ولا تتركوا الفرقة تدبُّ، والبغضاء تعمل عملها ﴿واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي اتقوا الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، لتنالكم رحمته، وتسعدوا بجنته