الإِنسان من نطفة، قادر على أن يخلقه مرة أُخرى عند البعث؟ قال المفسرون: نزلت في «أُبي بن خلف» «جاء بعظم رميم، وفتَّته في وجه النبي الكريم وقال ساخراً: أتزعم يا محمد أنَّ الله يُحيينا بعد أن نصبح رفاتاً مثل هذا؟ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ له: نعم يبعثك ويدخلك النار» ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ أي وضرب لنا هاذ الكافر المثل بالعظم الرميم، مستبعداً على الله إعادة خلق الإِنسان بعد موته وفنائه، ونسي أنا أنشأناه من نطفةٍ ميتة وركبنا فيه الحياة، نسي خلقه العجيب وبدأه الغريب، وجوابه من نفسه حاضر ﴿قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ أي وقال هذا الكافر: من يحيي العظام وهي بالية أشدَّ البلى، متفتتةٌ متلاشية؟ قال الصاوي: أي أورد كلاماً عجيباً في الغرابة هو كالمثل، حيث قاسَ قدرتنا على قدرة الخلق ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي قل يا محمد تخريساً وتبكيتاً لهذا الكافر وأمثاله: يخلقها ويحييها الذي أوجدها من العدم، وأبدع خلقها أول مرة من غير شيء، فالذي قدر على البداءة، قادر على الإعادة ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ أي يعلم كيف يخلق ويُبدع، فلا يصعب عليه بعث الأجساد بعد الفناء ﴿الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً﴾ أي الذي جعل لكم بقدرته من الشجر الأخضر ناراً تحرق الشجر، لا يمتنع عليه فعل ما أراد، ولا يعجزه إحياء العظام البالية وإعادتها خلقاً جديداً وقال أبو حيان: ذكر تعالى لهم ما هو أغرب من خلق الإِنسان من النطفة، وهو إبراز الشيء من ضده، وذلك أبدع شيء وهو اقتداح النار من الشيء الأخضر، ألا ترى الماء يطفىء النار ومع ذلك خرجت مما هو مشتمل على الماء، والأعراب تُوري النار من المرخ والعُفار، وفي أمثالهم «في كل شيء نار، واستمجد المرخ والعُفار» ولقد أحسن القائل:
جمعُ النقيضين من أسرار قدرته | هذا السَّحابُ به ماءٌ به نارٌ |