رجل برٌّ تقيٍ كريم على الله تعالى، ورجل فاجر شقي هيّن على الله تعالى» ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ أي عليمٌ بالعباد، مطلع على ظواهرهم وبواطنهم، يعلم التقي والشقي، والصالح والطالح ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى﴾ [النجم: ٢٣]. ﴿قَالَتِ الأعراب آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قولوا أَسْلَمْنَا﴾ أي زعم الأعراب أنهم آمنوا قل لهم يا محمد: إنكم لم تؤمنوا بعد، لأن الإِيمان تصديقٌ مع ثقة واطمئنان قلب، ولم يحصل لكم، وإِلا لما مننتم على الرسول بالإِسلام وترك المقاتلة، ولكنْ قولوا استسلمنا خوف القتل والسبي قال المفسرون: نزلت في نفرٍ من بني أسد، قدموا المدينة في سنةٍ مجدبة، وأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أتيناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كم قاتلك بنو فلان وفلان، يريدون الصَّدقة ويمنّون على الرسول، وقد دلت الآية على الإِيمان مرتبةً أعلى من الإِسلام، الذي هو الاستسلام والانقياد بالظاهر ولهذا قال تعالى ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي ولم يدخل الإِيمان إلى قلوبكم ولم تصلوا إلى حقيقته بعد، ولفظةُ «لمَّا» تفيد التوقع كأنه يقول: وسيحصل لكم الإِيما عند اطلاعكم على محاسن الإِسلام، وتذوقكم لحلاوة الإِيمان قال ابن كثير: وهؤلاء الأعراب المذكورون في هذه الآية ليسوا منافقين، وإِنما هم مسلمون لم يستحكم الإِيمان في قلوبهم، فادَّعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك، ولو كانوامنافقين كما ذهب إليه البخاري لعُنفوا وفُضِحوا ﴿وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً﴾ أي وإن أطعتم الله ورسوله بالإِخلاص الصادق، والإِيمان الكامل، وعدم المنِّ على الرسول لا ينقصكم من أجوركم شيئاً ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي عظيم المغفرة، واسع الرحمة، لأن صيغة «فعول» و «فعيل» تفيد المبالغة.
. ثم ذكر تعالى صفات المؤمنين الكُمَّل الصادقين في إِيمانهم فقال ﴿إِنَّمَا المؤمنون الذين آمَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ﴾ أي إنما المؤمنون الصادقون في دعوى الإِيمان، الذين صدَّقوا الله ورسوله، فأقروا لله بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة، عن يقين راسخ وإِيمان كامل ﴿ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ﴾ أي ثم لم يشكوا ويتزلزوا في إيمانهم بل ثبتوا على التصديق واليقين ﴿وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي وبذلوا أموالهم ومهجهم في سبيل اله وابتغاء رضوانه ﴿أولئك هُمُ الصادقون﴾ أي أولئك الذين صدقوا في ادعاء الإِيمان.. وصف تعالى المؤمنين الكاملين بثلاثة أوصاف: الأول: التصديق الجازم بالله ورسوله الثاني: عدم الشك والارتياب الثالث: الجهاد بالمال والنفس، فمن جمع هذه الأوصاف فهو المؤمن الصادق ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ﴾ الاستفهام للإِنكار والتوبيخ أي قل يا محمد، أتخبرون الله بما في ضمائركم وقلوبكم؟ ﴿والله يَعْلَمُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي وهو جل وعلا العليم بأحوال جميع العباد، لا تخفى عليه خافية لا في السموات ولا في الأرض ﴿والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي واسع العلم رقيب على كل شيء، لا يعزب عنه مثقال ذرة، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ﴾ أي يعدون إِسلامهم عليك يا محمد منَّة، يستوجبون عليها الحمد والثناء ﴿قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ﴾ أي قل لهم لا تمتنوا عليَّ بإِسلامكم،