صنعه وقدرته، ثم ذكر جواب القسم فقال ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ﴾ إي إن الذي توعدونه من الثواب والعقاب، والحشر والنشر، لأمرٌ صدقٌ محقَّق لا كذب فيه ﴿وَإِنَّ الدين لَوَاقِعٌ﴾ أي وإنَّ الجزاء لكائنٌ لا محالة، ثم ذكر تعالى قسماً آخر فقال ﴿والسمآء ذَاتِ الحبك﴾ أي وأقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة والبنيان المتقن قال ابن عباس: ذات الخلق الحسن المستوي ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ﴾ جواب القيم أي إِنكم أيها الكفار لفي قول مضطرب في أمر محمد، فمنكم من يقول إنه ساحر، ومنكم من يقول إنه شاعر، وبعضكم يقول إِنه مجنون إِلى غير ما هنالك من أقوال مختلفة ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ أي يُصرف عن الإِيمان بالقرآن وبمحمد عليه السلام، من صُرف عن الهداية في علم الله تعالى وحُرم السعادة ﴿قُتِلَ الخراصون﴾ أي لُعن الكذابون الذين قالوا إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ساحر وكذاب وشاعر قال ابن الأنباري: والقتلُ إِذا أُخبر عن الله به فهو بمعنى اللعنة، لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك ﴿الذين هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ﴾ أي الذين هم غافلون لاهون عن أمر الآخرة ﴿يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين﴾ أي يقولون تكذيباً واستهزاءً: متى يوم الحساب والجزاء؟ قال تعالى رداً عليهم ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ﴾ أي هذا الجزاء كائن يوم يدخلون جهنم ويُحرقون بها ﴿ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ﴾ أي تقول لهم خزنة النار: ذوقوا تعذيبكم وجزاءكم ﴿هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ أي هذا الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا استهزاءً.. ولما ذكر حال الكفار ذكر المؤمنين الأبرار فقال ﴿إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ أي هم في بساتين فيها عيون جاريةٌ، تجري فيها على نهاية ما يُتنزه به ﴿آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ أي راضين بما أعطاهم ربهم من الكرامة والنعيم ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ أي كانوا في دار محسنين في الأعمال، ثم ذكر طرفاً من إِحسانهم فقال ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ﴾ أي كانوا ينمامون قليلاً من الليل ويصلُّون أكثره قال الحسن: كابدوا قيام الليل لا ينامون من إلا قليلاً ﴿وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ أي وفي أواخر الليل يسغفرون الله من تقصيرهم، فهم مع إحسانهم يعدُّون أنفسهم مذنبين، ولذلك يكثرون الاستغفار بالأسحار قال أبو السعود: أي هم مع قلة نومهم وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار بالأسحار، كأنهم أسلفوا ليلهم باقتراف الجرائم، وهو مدح ثانٍ للمحسنين ﴿وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم﴾ مدحٌ ثالث أي وفي أموالهم نصيب معلوم قد أوجبوه على أنفسهم بمقتضى الكرم للسائل المحتاج، وللمتعفف الذي لا يسأل لتعففه ﴿وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾ أي وفي الأرض دلائل واضحة على قدرة الله سبحانه ووحدانيته للموقنين بالله وعظمته، الذين يعرفونه بصنعه قال ابن كثير: أي وفي الأرض من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة، مما فيها من صنوف النباتات والحيوانات، والجبال القفار، والبحار، والأنهار، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم، ما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم، والسعادة والشقاوة، وما في تركيبهم