ووضعه بين أيديهم فلم يأكلوا فقال لهم في تلطف وبشاشة: ألا تأكلون هذا الطعام. قال ابن كثير: وفي الآية تلطف في العبارة وعرض حسن، وقد انتظمت الآية آداب الضيافة، فإنه جاء بطعامٍ من حيث لا يشعرون بسرعة، ولم يتمنَّ عليهم أولاً فقال نأتيكم بطعام بل جاء به بسرعةٍ وخفاء، وأتى بأفضل ما وجد من ماله وهو عجل فتيٌّ سمين مشوي، فقربه إليه ولم يضعه وقال اقتربوا بل وضعه بين أيديهم، ولم يأمرهم أمراً يشق على سامعه بصغية الجزم بل قال: أملا تأكلون؟ على سبيل العرض والتلطف كما يقول القائل: إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ أي فأضمر في نفسه الخوف منهم لما رأى إِعراضهم عن الطعام ﴿قَالُواْ لاَ تَخَفْ﴾ أي قالوا له لا تخف إِنا رسل ربك ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ﴾ أي وبشروه بولدٍ يولد له من زوجته سارة يكون عالماً عند بلوغه قال أبو حيان: وفيه تبشيرٌ بحياته حتى يكون من العلماء، والجمهور علىأن المبشر به هو إِسحاق لقوله تعالى في سورة هود ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١] ﴿فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ﴾ أي فأقبلت سارة نحوهم حيث سمعت البشارة في صيحةٍ وضحة قال المفسرون: لما سمعت بالبشارة وكانت في زاوية من زوايا البيت جاءت نحوهم في صحية عظيمة تريد أن تستفر الخبر ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾ أي فلطمت وجهها على عادة النساء عند التعجب قال ابن عنباس: لطمت وجهها تعجباً كا تتعجب النساء من الأمر الغريب ﴿وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ أي قالت أنا عجوز عقيم فكيف ألد؟ والعقيم هي التي لم تلد قطّ لانقطاع حبلها قبل الإِمام الجلال: كان عمرهها تسعاً وتسعين سنة، وعمر إِبراهيم مائة وعشرين ﴿قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ﴾ أي الأمر كما أخبرناك هكذا حكم وقضى ربك من الأزل فلا تعجبي ولا تشكّي فيه ﴿إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم﴾ أي الحكيم في صنعه، العليم بمصالح خلقه ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون﴾ أي ما شأنكم الخطير الذي لأجله أرسلتم أيها الملائكة الأبرار؟ قال البيضاوي: لما علم أنهم ملائكة وأنهم لا ينزلون مجتمعين إِلا لأمرٍ عظيم سأل عنه ﴿قالوا إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾ أي قالوا إن الله أرسلنا لإِهلاك قوم لوط الذين ارتكبوا أفحش الجرائم «اللواط» وكانوا ذوي جرائم متعددة، وهي كبار المعاصي من كفر وعصيان ﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ﴾ أي لنهلكهم بحجارةٍ من طين متحجر مطبوخ بالنار وهو السجيل قال أبو حيان: والتسجيلُ طينٌ يطبخ كما يطبخ الآجر حتى يصبح في صلابة الحجارة ﴿مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ﴾ أي معلَّمة من عند الله بعلامة، على كل واحدةٍ منها اسم صاحبها الذي يهلك بها ﴿لِلْمُسْرِفِينَ﴾ أي المجاوزين الحدَّ في الفجور قال الصاوي: كان في قرى لوط ستمائة ألف فأدخل جبريل جناحه تحت الأرض فاقتلع قراهم، ورفعها حتى سمع أهل السماء أصواتهم ثم قلبها، ثم أرسل الحجارة على من كان خارجاً عنها ﴿فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين﴾ أي فأخرجنا من كان في قرى أهل لوط من المؤمنين