تتذركوا عظمة الله فتؤمنوا به، وتعلموا أن خال الأزواج واحد أحد ﴿ففروا إِلَى الله﴾ أي الجأوا إِلى الله، واهرعوا إِلى توحيده وطاعته قال أبو حيان: والأمر بالفرار إلى الله أمرٌ بالدخول في الإِيمان وطاعة الرحمن، وإنما ذكر بلفظ الفرار لينبه على أن وراء الناس عقاباً وعذاباً، وأمرٌ حقه أن يُفر منه، فقد جمعت اللفظة بين التحذير والاستدعاء، ومثله قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك» وقال ابن الجوزي: المعنى اهربوا مما يوجب العقاب من لكفر والعصيان، إلى ما يوجب الثواب من الطاعة والإِيمان ﴿إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ﴾ أي إِني أنذركم عذاب الله وأخوفكم انتقامه ﴿مُّبِينٌ﴾ أي واضحٌ أمري فقد أيدني الله بالمعجزات الباهرات ﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ أي لا تشركوا مع الله أحداً من بشر أو حجر ﴿إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ كرر اللفظ للتأكيد والتنبيه إلى خطر الإِشراك بالله قال الخازن: وإنما كرر اللفظ عند الأمر بالطاعة، والنهي عن الشرك، ليعلم أن الإِيمان لا ينفع إلاّ مع العمل، كما أن العمل لا ينفع إِلا مع الإِيمان، وأنه لا يفوز وينجو عند الله إلاّ الجامع بينهما ﴿كَذَلِكَ مَآ أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ هذه تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي كما كذبك قومك يا محمد، وقالوا عنك إنك ساحرٌ أو مجنون، كذلك قال المكذبون الأولون لرسلهم، فلا تحزن لما يقول المجرمون ﴿أَتَوَاصَوْاْ بِهِ﴾ أي هل أوصى أولهُم آخرهم بالتكذيب؟ وهو استفهام للتعجب من إجماعهم على تلك الكلمة الشنيعة، ثم أضرب عن هذا النفي والتوبيخ فقال ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ أي لم يوص بعضهم بعضاً بذلك، بل حملهم الطغيان على التكذيب والعصيان فلذلك قالوا ما قالوا ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ فأعرض يا محمد عنهم ﴿فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ﴾ أي فلا لوم عليك ولا عتاب، لأن قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، وبذلت الجهد في النصح والإرشاد ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين﴾ أي لا تدع التذكير والموعظة فإن القلوب المؤمنة تنتفع وتتأثر بالموعظة الحسنة.. ثم ذكر تعالى الغاية من خلق الخلق فقال ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ أي وما خلقت الثقلين الإِنس والجن إِلا لعبادتي وتوحيدي، لا لطلب الدنيا والانهماك بها قال ابن عباس: ﴿إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ إِلا ليقروا لي بالعبادة طوعاً أو كرهاً وقال مجاهد: إِلا ليعرفوني قال الرازي: لما بيَّن تعالى حال المكذبين ذكر هذه الآية ليبيّن سوء صنيعهم حيث تركوا عبادة الله مع أن خلقهم لم يكن إِلا للعبادة ﴿مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ﴾ أي لا أريد منهم أن يرزقوني أو يرزقوا أنفسهم أو غيرهم بل أنا الرزَّاق المعطي ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ أي ولا أُريد منهم أن يطعموا خلقي ولا أن يطعموني فأنا الغني الحميد قال البيضاوي: والمراد أن يبيّن أن شأ، هـ مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم، فإِنهم إِنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، فكأنه سبحانه يقول: ما أريد