أهله لقراءته، والرقُّ ما رٌقّق من الجلد ليكتب فيه ﴿والبيت المعمور﴾ أي وأُقسم بالبيت المعمور الذي تطوف به الملائكة الأبرار، وهو لأهل السماء كالكعبة المشرفة لأهل الأرض، وفي حديث الإِسراء «ثم رفع إِليَّ البيت المعمور، فقلت يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور، يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك، إِذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم» وقال ابن عباس: هو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة أي مقابلها وحذاءها تعمره الملائكة، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون إليه ﴿والسقف المرفوع﴾ أي والسماء العالية المرتفعة، الواقفة بقدرة الله بلا عمد، سمَّى السماء سقفاً لأنها للأرض كالسقف للبيت ودليله ﴿وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً﴾ [الأنبياء: ٣٢] وقال ابن عباس: هو العرش وهو صف الجنة ﴿والبحر المسجور﴾ أي والبحر المسجور الموقد ناراً يوم القايمة كقوله ﴿وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ﴾ [التكوير: ٦] أي أضرمت حتى تصير ناراً ملتهبة تتأجج تحيط بأهل الموقف ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ هذا جواب القسم أي إن عذاب الله لنازل بالكفارين لا محالة قال ابن الجوزي: أقسم تعالى بهذه الأشياء الخمسة للتنبيه على ما فيها من عظيم قدرته على أن عذاب المشركين حق ﴿مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ﴾ أي ليس له دافع يدفعه عنهم قال أبو حيان: والواو الأولى للقسم وما بعدها للعطف، والجملة المقسم عليها هي ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ وفي فإضافته إِلى الرب وإِضافته لكاف الخطاب أمانٌ له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأن العذاب واقع بمن كذبه، ولفظ واقع أشد من كائن، كأنه مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من حلَّ به ﴿يَوْمَ تَمُورُ السمآء مَوْراً﴾ أي تتحرك السماء وتضطرب اضطراباً شديداً من هول ذلك اليوم ﴿وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً﴾ أي تنسف نسفاً عن وجه الأرض فتكون هباءً منثوراً كقوله
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً﴾ [طه: ١٠٥] قال الخازن: والحكمة في مور السماء وسير الجبال، الإِنذارُ والإِعلام بأن لا رجوع ولا عود إلى الدنيا، وذلك لأن الأرض والسماء وما بينهما من الجبال والبحار وغير ذلك إنما خلقت لعمارة الدنيا وانتفاع بني آدمم بذلك، فلما لم يبق لهم عودٌ إليها أزالها الله تعالى وذلك لخراب الدنيا وعمارة الآخرة ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاك ودمار وشدة عذاب للمكذبين أرسلَ الله في ذلك اليوم الرهيب ﴿الذين هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ﴾ أي الذين هم في الدنيا يخوضون في الباطل غافلون ساهون عما يراد بهم ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ أي يوم يُدفعون إلى نار جهنم دفعاً بشدة وعنف قال في البحر: وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيدي الكفار إلى