وبمؤانسة الإِخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم ﴿وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ أي وما نقصنا الآباء من ثواب عملهم شيئاً قال في البحر: المعنى أنه تعالى يُلحق المقصِّر بالمحسن ولا ينقص المسحن من أجره شيئاً ﴿كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ﴾ أي كل إِنسان مرتهن بعمله لا يُحمل عليه ذنب غيره سواء كان أباً أو إِبناً وقال ابن عباس: ارتهن أهل جهنم بأعمالهم، وصار أهل الجنة إلى نعيمهم وقال الخازن: المراد بالآية الكافر أي كل كافر بما عمل من الشرك مرتهن بعمله في النار، والمؤمن لا يكون مرتهناً بعمله لقوله تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين﴾ [المدثر: ٣٨٣٩].. ثم ذكر ما وعدهم به من الفضل والنعمة فقال ﴿وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ﴾ أي وزدناهم فوق ما لهم من النعيم بفواكه ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويُشتهى ﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً﴾ أي يتعاطون في الجنة كأساً من الخمر، يتجاذبها بعضهم من بعض تلذذاً وتأنساً قال الألوسي: أي يتجاذبونها تجاذب ملاعبة كما يفعل ذلك الندامى في الدنيا لشدة سرورهم ﴿لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ﴾ أي لا يقع بينهم بسبب شربها هذيان حتى يتكلموا بساقط الكلام، ولا يلحقهم إِثم كما يلحق شارب الخمر في الدنيا قال قتادة: نزّه الله خمر الآخرة عن قاذورات الكلام الفارغ الذي لا فائدة فيه، المتضمن للهذيان والفحش، ووصفها بحسن منظرها وطيب طعمها، فقال
﴿بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ﴾ [الصافات: ٤٦٤٧] ثم قال تعالى ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ﴾ أي ويطوف عليهم للخدمة غلمان مماليك خصصهم تعالى لخدمتهم ﴿كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ﴾ أي كأنهم في الحسن، والبياض، والصفاء اللؤلؤ المصون في الصدف قال القرطبي: وهؤلاء الغلمان قي لهم أولاد المشركين وهم خدم أهل الجنة، وليس في الجنة نصيب ولا حاجة إلى خدمة، ولكنه أخبر بأنهم علىغاية النعيم ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ﴾ أي اقبل أهل الجنة يسأل بعضهم بعضاً عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا، تلذذاً بالحديث، واعترافاً بالنعمة ﴿قالوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ في أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ أي قال المسئولون: إنا كنا في دار الدنيا خائفين من ربنا، مشفقين من عذابه وعقابه ﴿فَمَنَّ الله عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السموم﴾ أي فأكرمنا الله بالمغفرة والجنة، وأجرنا مما نخاف، وحمانا من عذاب جهنم النافذة في المسام نفوذ الريح الحارة الشديدة وهي التي تسمى ﴿السموم﴾ قال الفخر الرازي: والآية إشارة إلى أن أهل الجنة يعلمون ما جرى عليهم في الدنيا ويذكرونه، وكذلك الكافر لا ينسى ما كان له من النعيم في الدنيا، فتزاداد لذة المؤمن حيث يرى نفسه انتقلت من الضيف إلى السعة، ومن السجن إلى الجنة، ويزداد الكفار ألماًَ حيث يرى نفسه انتقلت من النعليم إلى الجحيم ﴿إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ﴾ أي قال أهل الجنة: إنا كنا في الدنيا نعبد الله ونتضرع إليه، فاستجاب الله لنا


الصفحة التالية
Icon