إلى السماء يستمعون فيه كلام الملائكة والوحي فيعلمون أنهم على حقٍّ فهم به مستمسكون؟ ﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ أي فليأت من يزعم ذلك بحجة بينة واضحة على صدق استماعه كما أتى محمد بالبرهان القاطع.
. ثم وبخهم تعالى على ماهو أشنع وأقبح من تلك المزاعم الباطلة وهو نسبتهم إلى الله البنات، وجعلهم لله جل وعلا ما يكرهون لأنفسهم فقال ﴿أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون﴾ ؟ أي كيف تجعلون لله البنات مع كراهتكم لهن وتجعلون لأنفسكم البنين؟ أهذا هو المنطق والإِنصاف؟ وقال القرطبي: سفَّه أحلامهم توبيخاً لهم وتقريعاً والمعنى أتضيفون إلى الله البنات مع أنفتكم منهن، ومن كان عقله هكذا لا يُستبعد منه إِنكار البعث وقال أبو السعود: تسفيهٌ لهم وتركيكٌ لعقولهم، وإِيذانٌ بأن من هذا رأيه لا يكاد يُعد من العقلاء، فضلاً عن الترقي إلى عالم الملكوت، والاطلاع على الأسرار الغيبية، والالتفات إلى الخطاب لتشديد الإِنكار والتوبيخ ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً﴾ أي هل تسألهم يا محمد أجراً على تبليغ الرسالة وتعليم أحكام الدين؟ ﴿فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ﴾ أي فهم بسبب ذلك الأجر والغُرم الثقيل الذي أوجبته عليهم مجهدون ومتعبون فلذلك يزهدون في اتباعك، ولا يدخلون في الإِسلام؟ فإن العادة أن من كلف إِنساناً مالاً وضربَ عليه جُعلاً يسير مثقلاً وغارماً بسببه فيكرهه ولا يسمع قوله ولا يمتثله ﴿أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ ؟ أي أعندهم علم الغيب حتى يعلموا أنَّ ما يخبرهم به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من أمور الآخرة والحشر والنشر باطلٌ فلذلك يكتبون هذه المعلومات عن معرفةٍ ويقين؟ قال قتادة: هو ردٌّ لقولهم ﴿شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون﴾ والمعنى أعَلموا أن محمداً يموتُ قبلهم حتى يحكموا بذلك؟ وقال ابن عباس: أم عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيهن ويُخبرون الناس بما فيه؟ ليس الأمر كذلك فإِنه لا يعلم أحدٌ من أهل السموات والأرض الغيب إِلا الله ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً﴾ ؟ أي أيريد هؤلاء المجرمون أن يتآمروا عليك يا محمد؟ قال المفسرون: والآية إِشارة إلى كيدهم في دار الندوة وتآمرهم على قتل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كما قال تعالى
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] ﴿فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون﴾ أي فالذين جحدوا رسالة محمد هم المجزيون بكيدهم لأن ضربب ذلك عائد عليهم، ووباله راجع على أنفسهم كقوله ﴿وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: ٤٣] قال الصاوي: وأوقعٍ الظاهر ﴿فالذين كَفَرُواْ﴾ موقع المضمر تشنيعاً وتقبيحاً عليهم بتسجيل وصف الكفر ﴿أَمْ لَهُمْ إله غَيْرُ الله﴾ ؟ أي لهم إله خالق رازق غير الله تعالى حتى يلجأوا إليه وقت الضيف والشدة؟ ويستنجدوا به لدفع الضُّرِّ والعذاب عنهم؟ ﴿سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي تنزَّه وتقدَّس الله عما يشركون به من الأوثان والأصنام قال الإِمام الجلال: والاستفهام ب «أم» في مواضعها الخمسة عشر للتوبيخ والتقريع والإِنكار.. ثم أخبر تعالى عن شدة طغيانهم وفرط عنادهم فقال ﴿وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ السمآء سَاقِطاً﴾ أي لو عذبناهم بسقوط قطع من السماء نزلت عليهم لم ينتهوا ولم يرجعوا، ولقالوا في هذا النازل عناداً واستهزاءً: إنه سحاب مركوم ﴿يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ﴾ أي إنه سحاب