والمؤتفكة هي مدائن قوم لوط، سميت بذلك لأنها انقلبت بأهلها، رفعها جبريل عليه السلام ثم أهوى بها إلى الأرض، ثم أمطرت عليهم حجارة من سجيل منضود فذلك قوله ﴿فَغَشَّاهَا مَا غشى﴾ ﴿فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ تتمارى﴾ أي فبأي نعم الله الدالة على وحدانيته وقدرته تتشكك أيها الإِنسان وتكذب!! ﴿هذا نَذِيرٌ مِّنَ النذر الأولى﴾ أي هذا هو محمد رسول الله منذر كسائر الرسل ومن جنس المنذرين الأولين وقد علمتم ما حلَّ بالمكذبين ﴿أَزِفَتِ الآزفة﴾ أي دنت الساعة واقترتب القيامة قال القرطبي: سميت آزفة لدنوها وقرب قيامها ﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ﴾ أي لا يقدر على كشفها وردها إِذا غشيت الخلق بأهوالها وشدائدها إلا الله تعالى ﴿أَفَمِنْ هذا الحديث تَعْجَبُونَ﴾ ؟ استفهامٌ للتوبيخ أي أفمن هذا القرآن تعجبون يا معشر المشركين سخرية واستهزاءً؟ ﴿وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ﴾ أي وتضحكون عند سماعه، ولا تبكون من زواجره وآياته؟ وقد كان حقكم أن تبكوا الدم بدل الدمع حزناً على ما فرطتم ﴿وَأَنتُمْ سَامِدُونَ﴾ أي وأنتم لاهون غافلون؟ ﴿فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا﴾ أي فساجدوا لله الذي خلقكم وأفردوه بالعبادة، ولا تبعدوا اللات والعزى، ومناة والشعرى، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا يليق السجود والعبادة إلاَّ له جلا وعلا.
البَلاَغة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الإِبهام للتعظيم والتهويل ﴿فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى﴾ [النجم: ١٠] ومثله ﴿إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى﴾ [النجم: ١٦] وكذلك ﴿فَغَشَّاهَا مَا غشى﴾.
٢ - الجناس ﴿والنجم إِذَا هوى... وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى﴾ [النجم: ١٣] فالأول هو بمعنى خرَّ وسقط والثاني بمعنى هوى النفس.
٣ - الطباق بين ﴿أَضْحَكَ وأبكى﴾ وبين ﴿أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ وبين ﴿ضَلَّ وِ اهتدى﴾ وبين
﴿الآخرة والأولى﴾ [النجم: ٢٥] وبين ﴿وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ﴾ وهي من المحسنات البديعية.
٤ - المقابلة ﴿لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى﴾ [النجم: ٣١] كما فيه إطناب في تكرار لفظ يجزي وكلاهما من المحسنات البديعية.
٥ - الاستفهام التوبيخي مع الإِزراء بعقولهم ﴿أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى﴾ [النجم: ٢١٢٢].
٦ - الجناس الناقص بين ﴿أغنى.. وأقنى﴾ لتغير بعض الحروف.
٧ - جناس الاشتقاق ﴿أَزِفَتِ الآزفة﴾.
٩ - عطف العام على الخاص ﴿فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا﴾.
١٠ - مراعاة الفواصل ورءوس الآيات، مما له أجمل الوقع على السمع مثل ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى﴾ [النجم: ١٩٢١] ؟ ومثله ﴿أَفَمِنْ هذا الحديث تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ﴾ ؟ ويسمى بالسجع.
تنبيه: كانت الأصنام التي عبدها المشركون كثيرة تثرب من ثلاثمائة وستين صنماً ومعظمها


الصفحة التالية
Icon