ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} أي إنا إِذا ابتعناه لفي خطأ وذهابٍ عن الحقِّ واضح، وجنون دائم قال ابن عباس: سُعُر أي جنون من قولهم ناقة مسعورة كأنها من شدة نشاطها مجنونة ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا﴾ استفهام إِنكاري أي هل خصَّ بالوحي والرسالة وحده دوننا، وفينا من هو أكثر منه مالاً وأحسن حالاً؟ قال الإِمام الفخر: وفي الآية إِشارة إلى ما كانوا ينكرونه بطريق المبالغة، وذلك لأن الإِلقاء إِنزالٌ بسرعة، فكأنهم قالوا: الملك جسيم والسماء بعيدة فكيف ينزل عليه الوحي في لحظة؟ وقولهم «عليه» إنكارٌ آخر كأنهم قالوا: ما أُلقي عليه ذكرٌ أصلاً، وعلى فرض نزوله فلا يكون عليه من بيننا وفينا من هو فوقه في الشرف والذكاء؟ وقولهم ﴿أَأُلْقِيَ﴾ بدلاً من قولهم «أألقى الله» إشارة إِلى أن الإِلقاء من السماء غير ممكن فضلاً عن أن يكون من الله تعالى ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ أي بل هو كاذب في دعوى النبوة، متجاوز في حد الكذب، متكبرٌ بطِرٌ يريد العلو علينا، وإِنما وصفوه بأنه ﴿أَشِرٌ﴾ مبالغة منهم في رفض دعواه كأ، هم قالوا نه كذب لا لضرورةٍ وحاجةٍ إلى الخلاص كما يكذب الضعيف، وإنما تكبَّر وبطر وطلب الرياسة عليكم وأراد أن تتبعوه فكذب على الله، فلا يلتفت إِلى كلامه لأنه جمع بين رذيلتين: الكذب والتكبر، وكلٌّ منهما مانع من اتباعه، قال تعالى تهديداً لهم وردّاً لبهتانهم ﴿سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكذاب الأشر﴾ أي سيعلمون في الآخرة من هو الكذَّاب الأشر، هل هو صالح عليه السلام أم قومه المكذبون المجرمون؟ قال الألوسي: المراد سيعلمون أنهم هم الكذابون الأشرون، لكنْ أورد ذلك مورد الإِبهام إيماءً إِلى أنه مما لا يكاد يخفى ﴿إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة فِتْنَةً لَّهُمْ﴾ أي مخرجوا الناقة من الصخرة الصماء محنة لهم واختباراً كما شاءوا وطلبوا قال ابن كثيكر: أخرج الله لهم ناقة عظيمة عشراء، من صخرة صماء طبق ما سألوا لتكون حجة الله عليهم في تصديق صالح عليه السلام فيما جاءهم به ﴿فارتقبهم واصطبر﴾ أي فانتظرهم وتبصَّرْ ما يصنعون وما يُصنع بهم، واصبر على أذاهم فإِن الله ناصرك عليهم ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ المآء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾ أي وأعلِمْهم أنَّ الماء الذي يمرُّ بواديهم مقسومٌ بين ثمود وبين الناقة كقوله تعالى
﴿لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥] قال ابن عباس: إِذا كان يوم شربهم لا تشرب الناقةُ شيئاً من الماء وتسقيهم لبناً وكانوا في نعيم، وإِذا كان يوم الناقة شربت الماءك له فلم تُبق لهم شيئاً، وإنما قال تعالى ﴿بَيْنَهُمْ﴾ تغليباً للعقلاء ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ﴾ أي كل نصيب وحصة من الماء يحضرها من كانت نوبته، فإِذا كان يوم الناقة حضرت القوم شربها، وإِذا كان يومهم حضروا شربهم ﴿فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فتعاطى فَعَقَرَ﴾ أي فنادت قبيلة ثمود أشقى القوم واسمه «قدار بن سالف» لقتل الناقة فتناول الناقة بسيفه فقتلها غير مكترث بالأمر العظيم ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ أي فكيف كان عقابي وإِنذاري لهم؟ ألم يكن فظيعاً شديداً؟! ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ أي أهلكناهم بصيحة واحدة صاح بها جريل عليه السلام فلم تبق منه عين تطْرف ﴿فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر﴾ أي فصاروا هشيماً متفتتاً كيابس الشجر إِذا بلى وتحطَّم وداسته الأقدام قال الإِمام الجلال: المحتظر هو الذي يجعل لغنمه حظيرةً من


الصفحة التالية
Icon