لثلاث: رجوماً للشياطين، ونوراً يُهتدى بها، وزينةً للسماء الدنيا وقال أبو حيان: خصَّ السماء الدنيا بالذكر لأنها هي التي تُشاهد بالأبصار، وفيها وحدها يكون الحفظ من الشياطين ﴿لاَّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ الأعلى﴾ أي لا يقدرون أن يستمعوا إلى الملائكة الذين هم في العالم العلوي، وقيل المعنى: لئلا يتسمَّعوا إلى الملأ الأعلى ﴿وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ﴾ أي ويُرجمون بالشهب من كل جهةٍ يقصدون السماء منها ﴿دُحُوراً﴾ أي طرداً لهم عن السماع لأخبار السماء قال الطبري: أي مطرودين، من الدحر وهو الدَّفعُ والإِبعاد ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ﴾ أي ولهم في الآخرة عذاب موصول لا ينقطع ﴿إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة﴾ أي إلاَّ من اختلص شيئاً مسارقةً ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ أي فلحقه شهاب مضيءٌ، نافذ بضوئه وشعاعه فأحرقه قال المفسرون: قد يخطف الشيطان المارد خطفةً سريعة مما يدور في الملأ الأعلى، فيتبعه شهابٌ يلاحقه في هبوطه فيصيبه ويحرقه حرقاً قال القرطبي: وليست الشهب التي يرجم بها الشياطين من الكواكب الثواب، لأن الثابتة تجري ولا تُرى حركتها، وهذه الشهب تُرى حركاتها ﴿فاستفتهم﴾ أي فسلْ يا محمد هؤلاء المنكرين للبعث ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ﴾ أي أيهم أقوى بُنيةً وأشد خلْقاً هل هم أم السموات والأرض وما بينهما من الملائكة والمخلوقات العظيمة العجيبة؟ ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ﴾ أي من طينٍ زخوٍ لا قوة فيه قال الطبري: وإِنما وصفه باللزوب لأنه ترابٌ مخلوطٌ بماء، وكذلك خُلِق ابنُ آدم من ترابٍ وماء، ونار وهواء، والترابٌ إِذا خُلط بماءٍ صار طيناً لازباً، والغرضُ من الآية إِقامةُ البرهان على إعادة الإِنسان، فالذي خلقه من العدم وخلق هذه الخلائق، قادرٌ على إعادة الأجسام بعد الفناء ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾ أي بل عجبتَ يا محمد من تكذيبهم للبعث مع رؤيتهم آثار قدرة الله الباهرة، وهم يسخرون منك ومما تقول لهم في ذلك قال أبو السعود: المعنى عجبتَ من قدرة الله تعالى على هذه الخلائق العظيمة وإِنكارهم للبعث، وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث ﴿وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ﴾ أي وإِذا وُعظوا بالقرآن وخوّفوا به، لا يتعظون ولا يتدبرون ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ أي وإِذا رأوا آية باهرة، أو معجزة قاهرة تدل على صدقكك كانشقاق القمر، وتكليم الشجر والحجر، يبالغون في السخرية أو يدعون غيرهم للسخرية والاستهزاء ﴿وقالوا إِن هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أي ما هذا الذي جئتنا به يا محمد إلا سحر واضح بيِّن قال في البحر: والإِشارة ب «هذا» إلى ما ظهر على يديه عليه السلام من الخارق المعجز ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ الاستفهام للإِنكار والاستهزاء أي أئذا أصبحت أجسادنا بالية، وتفتَّت أجزاؤها إلى تراب وعظام سوف نبعث؟ ﴿أَوَ آبَآؤُنَا الأولون﴾ أي أو آباؤنا الأولون كذلك سيُبعثون؟ قال الزمخشري: أي أيبعث أيضاً آباؤنا؟ وهذا زيادة في استبعاد الأمر، يعنون أنهم أقدم، فبعثُهم أبعدُ وأبطل ﴿قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ﴾ أي قل لهم نعم تُبعثون وأنتم صاغرون ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ أي وما هي إلا صيحة


الصفحة التالية
Icon