الأنبياء؟ ﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ﴾ أي بل أيقولون نحن جمعٌ كثير، واثقون بكثرتنا وقوتنا، منتصرون على محمد؟ قال تعالى رداً عليهم ﴿سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر﴾ أي سيهزم جمع المشركين ويولون الأدبار منهزمين قال ابن الجوزي: وهذا مما أخبر الله به نبيه من علم الغيب، فكات الهزيمةُ يوم بدر ﴿بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ﴾ أي ليس هذا تمام عقابهم بل القيامة موعد عذابهم ﴿والساعة أدهى وَأَمَرُّ﴾ أي أعظم داهيةً وأشدُّ مرارةً من القتل والأسر ﴿إِنَّ المجرمين فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ﴾ أي إِن المجرمين في حيرةٍ وتخبطٍ في الدنيا، وفي نيرانٍ مسعَّةر في الآخرة قال ابن عباس: في خسرانٍ وجنون ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ﴾ أي يوم يُجرُّون في النار على وجوههم عقاباً وإِذلالاً لهم ﴿ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ﴾ أي يقال لهم: ذوقوا أيها المكذبون عذاب جهنم قال أبو السعود: وسقر علمٌ لجهنم ولذلك لم يُصرف ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ أي إِنا خلقنا كل شيءٍ مقدَّراً مكتوباً في اللوح المحفوظ من الأزل ﴿وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بالبصر﴾ أي وما شأننا في الخلق والإِيجاد إِلا مرة واحدة كلمح البصر في السرعة نقول للشيء: كن فيكون قال ابن كثير: أي إِنما نأمر بالشيء مرة واحدة لا نحتاج إِلى تأكيد بثانية، فيكون ذلك موجوداً كلمح البصر لا يتأخر طرفة عين ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ﴾ أي ووالله لقد أهلكنا أشباهكم ونظراءكم في الكفر والضلال من الأمم السالفة ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ أي فهل من يتذكر ويتعظ؟ ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر﴾ أي وجميع ما فعلته الامم المكذبة من خير وشر مكتوب عليهم، مسجل في كتب الحفظة التي بأيدي الملائكة قال ابن زيد: ﴿فِي الزبر﴾ أي في دواوين الحفظة ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ﴾ أي وكل صغيرٍ وكبير من الأعمال مسطورٌ في اللوح المحفوظ، مثبتٌ فيه ﴿إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ أي في جنات وأنهار قال القرطبي: يعني أنهار الماء، والخمر، والعسل، واللبن ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ أي في مكانٍ مرضي، ومقام حسن ﴿عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ أي عند ربٍ عظيم جليل، قادرٍ في ملكه وسلطانه، لا يعجزه شيء، وهو الله رب العالمين.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستعارة التمثيلية ﴿فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء﴾ [القمر: ١١] شبه تدفق المطر من السحاب بانصباب أنهار انفتحت بها أبواب السماء، وانشق بها أديم الخضراء بطريق الاستعارة التمثيلية.
٢ - جناس الاشتقاق ﴿يَدْعُ الداع﴾.
٣ - الكناية ﴿وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر: ١٣] كناية عن السفينة التي تحوي الأخشاب والمسامير.
٤ - التشبيه المرسل والمجمل ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧] ومثله ﴿فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر﴾ [القمر: ٣١].
٥ - صيغة المبالغة ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ [القمر: ٢٥] أي كثير الكذب عظيم البطر لأن فعَّال وفعل للمبالغة.


الصفحة التالية
Icon