العيون قال ابن عباس: لم تعصر كخمر الدنيا بل هي من عيون سارحة قال القرطبي: والمعين الجاري من ماء أو خمر، غير أن المراد في هذا الموضع الخمر الجارية من العيون، ليست كخمر الدنيا التي تستخرج بعصرٍ وتكلف ومعالجة ﴿لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا﴾ أي لا تنصدع رءوسهم من شربها ﴿وَلاَ يُنزِفُونَ﴾ أي ولا يسكرون فتذهب بعقولهم فتذهب بعقولهم كخمر الدنيا قال ابن عباس: في الخمر أربع خصال: السُّكرُ والصُّداع، والقيءُ، والبول، وقد ذكر تعالى خمر الجننة ونزَّهها عن هذه الخصال الذميمة ﴿وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ﴾ أي ولهم فيها فاكهة كثيرة يختارون ما تشتهيه نفوسهم لكثرتها وتنوعها ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ﴾ أي ولحم طيرٍ مما يحبون ويشتهون قال ابن عباس: يخطر على قلب أحدهم لحم الطير فيطير حتى يقع بين يديه على ما اشتهى مقلياً أو مشوياً وفي الحديث
«إنك لتنظر إِلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشوياً» قال الرازي: وقدَّم الفاكهة على اللحم لأن أهل الجنة يأكلون لا عن جوع بل للتفكه، فميلهم إِلى الفاكهة أكثر كحال الشبعان في الدنيا فلذلك قدمها ﴿وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون﴾ أي ولهم مع ذلك النعيم نساء من الحور العين، الواسعات العيون، في غاية الجمال والبهاء، كأنهن اللؤلؤ في الصفاء والنقاء، الذي لم تمسه الأيدي قال في التسهيل: شبههن باللؤلؤ في البياض، ووصفه بالمكنون لأنه أبعد عن تغيير حسنه، وحين «سألت» أم سلمة «رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن هذا التشبيه قال» صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي « ﴿جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي جعلنا لهم ذلك كله جزاءً لعملهم الصالح في الدنيا.. ثم أخبر تعالى عن مال نعيمهم في الجنة فقال ﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً﴾ أي لا يطرق آذانهم فاحشٌ الكلام، ولا يلحقهم إِثمٌ ما يسمعون قال ابن عباس: لا يسمعون باطلاً ولا كاذباً ﴿إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً﴾ أي إلا قول بعضهم لبعضٍ سلاماً سلاماً، يُحيي به بعضهم بعضاً ويفشون السلام فيما بينهم قال في البحر: والظاهر أنه استثناء منقطع لأنه لم يندرج في اللغو ولا التأثيم وقال أبو السعود: والمعنى أنهم يفشون السلام فيسلمون سلاماً بعد سلام، أو لا يسمع كلٌ منهم إِلا سلام الآخر بدءاً أو ردّاً.
. ثم شرع في تفصيل أحوال الصنف الثاني وهم أصحاب اليمين فقال ﴿وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين﴾ ؟ استفهام للتعظيم والتعجيب من حالهم أي ما أدراك من هم، وما هي حالهم؟ ﴿فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ﴾ أي هم تحت أشجار النبق الذي قطع شوكه قال المفسرون: والسِّدرُ: شجر النبق، والمخضود الذي خُضد أي قُطع شوكه، وفي الحديث «أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال يا رسول الله: إن الله تعالى ذكر في الجنة شجرة تؤذي صاحبها، فقال: وما هي؟ قال: السدر فإِن له شوكاً، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أليس اللهُ يقول ﴿فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ﴾ ؟ خضَدَ اللهُ شوكه فجعل مكان كل شوكةٍ ثمرة، وإِن الثمرة من ثمره تفتَّق عن اثنين وسبعين


الصفحة التالية
Icon