عجوز، فولَّت تبكي، فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، فإن الله تعالى يقول ﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً﴾ » ﴿لأَصْحَابِ اليمين﴾ أي أنشأنا هؤلاء النساء الأبكار لأصحاب اليمين ليستمتعوا بهنَّ في الجنة، ثم قال تعالى ﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين﴾ أي هم جماعة من الأولين من الأمم الماضية، وجماعة من المتأخرين من أُمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، قال في البحر: ولا تنافي بين هذه الآية ﴿وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين﴾ وبين الآية التي سبقتها وهي قوله ﴿وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين﴾ لأن الثانية في السابقين فلذلك قال ﴿وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين﴾ وهذه في أصحاب اليمين ولذلك قال ﴿وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين﴾.. ثم شرع تعالى في بيان الصنف الثالث وهم أهل النار فقال ﴿وَأَصْحَابُ الشمال مَآ أَصْحَابُ الشمال﴾ استفهام بمعنى التهويل والتفظيع والتعجيب من حالهم أي وأصحابُ الشمال وهم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم ما أصحاب الشمال؟ أي ما حالهم وكيف مآلهم؟ ثم فصَّل تعالى حالهم فقال ﴿فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ﴾ أي في ريح حارة من النار تنفذ في المسام، وماءٍ شديد الحرارة ﴿وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ﴾ أي وفي ظلٍ من دخان أسود شديد السواد ﴿لاَّ بَارِدٍ﴾ أي ليس هذا الظل بارداً يستروح به الإِنسان من شدة الحر ﴿وَلاَ كَرِيمٍ﴾ أي وليس حن المنظر يُسرُّ به من يستفيء بظله قال الخازن: إِن فائدة الظل ترجع إِلى أمرين: أحدهما: دفع الحر، والثاني: حسن المنظر وكون الإِنسان فيه مكرماً، وظلُّ أهل النار بخلاف هذا لأنهم في ظل من دخان أسود حار.. ثم بيَّن تعالى سبب استحقاقهم ذلك فقال ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ﴾ أي لأنهم كانوا في الدنيا منعَّمين، مقبلين على الشهوات والملذات ﴿وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم﴾ أي وكانوا يداومون على الذنب العظيم وهو الشرك بالله قال المفسرون: لفظ الإَصرار يدل على المداومة على المعصية، والحنثُ هو الذنب الكبير والمراد به هنا الكفر بالله كما قاله ابن عباس ﴿وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ أي هل سنبعث بعد أن تصبح أجسادنا تراباً وعظاماً نخرة؟ وهذا استبعادٌ منهم لأمر البعث وتكذيب له ﴿أَوَ آبَآؤُنَا الأولون﴾ ؟ تأكيدٌ للإِنكار ومبالغة فيه أي وهل سيبعث آباؤنا الأوائل بعد أن بليت أجسامهم وتفتَّتت عظامهم؟ ﴿قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ أي قل لهم يا محمد: إن الخلائق جميعاً السابقين منهم واللاحقين، سيجمعون ويحشرون ليوم الحساب الذي حدَّده الله بوقت معلوم لا يتقدم ولا يتأخر
﴿ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ﴾ [هود: ١٠٣١٠٤] ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضآلون المكذبون لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ﴾ أي ثم إنكم يا معشر كفار مكة، الضالون عن الهدى، المكذبون بالبعث والنشور، لآكلون من شجر الزقوم الذي ينبت في أصل الجحيم ﴿فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون﴾ أي فمالئون بطونكم من تلك الشجرة الخبيثة لغلبة الجوع عليكم ﴿فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحميم﴾ أي فشاربون عليه الماء الحار الذي اشتد غليانه ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم﴾ أي فشاربون شرب الإِبل العطاش قال ابن عباس: الهيمُ الإِبل


الصفحة التالية
Icon