السماء والأرض، سواء في الشريف والوضيع، والأمير والصعلوك ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ أي وما نحن بعاجزين ﴿على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾ أي على أن نهلككم ونستبدل قوماً غيركم يكونون أطوع لله منكم كقوله تعالى ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٩] ﴿وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي ولسنا بعاجزين أيضاً أن نعيدكم يوم القيامة في خلقةٍ لا تعلمونها ولاتصل إِليها عقولكم، والغرضُ أن الله قادر على أن يهلكهم وأن يعيدهم وأن يبعثهم يوم القيامة، ففي الآية تهديد واحتجاج على البعث ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى﴾ أي ولقد عرفتم أن الله أنشأكم من العدم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً، فخلقكم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ﴿فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ أي فهلا تتذكرون بأن الله قادر على إعادتكم كما قدر على خلقكم أول مرة؟ ﴿أَوَلاَ يَذْكُرُ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً﴾ [مريم: ٦٧] ؟} ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ﴾ هذه حجة أخرى على وحدانية الله وقدرته أي أخبروني عن البذر الذي تلقونه في الطين ﴿أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون﴾ ؟ أي أأنتم تنبتونه وتنشئونه حتى يكون فيه السنبل والحبُّ أم نحن الفاعلون لذلك؟ فإِذا أقررتم أن الله هو الذي يخرج الحبَّ وينبت الزرع، فكيف تنكرون إِخراجه الأموات من الأرض؟ ﴿لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً﴾ أي لو أردنا لجعلنا هذا الزرع هشيما متكسراً لا ينتفع به في طعام ولا غيره قال القرطبي: والحُطام الهشيم الهالك الذي لا يُنتفع به في مطعم ولا غذاء، فنبههم بذلك على أمرين: أحدهما: ما أولاهم به من النعم في زرعهم ليشكروه الثاني: ليعتبروا في أنفسهم فكما أنه تعالى يجعل الزرع حُطاماً إِذا شاء، كذلك يهلكهم إِذا شاء ليتعظوا فينزجروا ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ أي فظللتم وبقيتم تتفجعون وتحزنون على الزرع مما حلَّ به وتقولون ﴿إِنَّا لَمُغْرَمُونَ﴾ أي إنا لمحمَّلون الغرم في إِنفاقنا حيث ذهب زرعنا وغرمنا الحبَّ الذي بذرناه ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ أي بل نحن محرومون الرزق، غرمنا قيمة البذر، وحُرمنا خروج الزرع ﴿أَفَرَأَيْتُمُ المآء الذي تَشْرَبُونَ﴾ أي أخبروني عن الماء الذي تشربونه عذباً فراتاً لتدفعوا عنكم شدة العطش ﴿أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ نَحْنُ المنزلون﴾ أي هل أنتم الذين أنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون له بقدرتنا؟ قال الخازن: ذكَّرهم تعالى نعمته عليهم بإِنزال المطر الذي لا يقدر عليه إِلا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً﴾ أي لو شئنا لجعلناه ماءٌ مالحاً شديد الملوحة لا يصلح لشرب ولا لزرع قال ابن عباس: ﴿أُجَاجاً﴾ شديد الملوحة وقال الحسن: مُرّاً زُعافاً لا يمكن شربه ﴿فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ﴾ أي فهلاّ تشكرون ربكم على نعمه الجليلة عليكم؟! وفي الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ شرب الماء قال
«الحمد لله الذي سقانا عذباً فُراتاً برحمته، ولم يجعله ملحاً أُجاجاً بذنوبنا» ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النار التي تُورُونَ﴾ أي أخبروني عن النار التي تقدحونها وتستخرجونها من الشجر الرطب ﴿أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ المنشئون﴾ أي هل أنتم خلقتم


الصفحة التالية
Icon