وعده الله الجنة مع تفاوت الدرجات ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي عالمٌ بأعمالكم، مطلع على خفاياكم ونواياكم، ومجازيكم عليه، وفي الآية وعدٌ ووعيد ﴿مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً﴾ أي من ذا الذي ينفق ماله في سبيل الله ابتغاء رضوانه ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ أي يعطيه أجره على إنفاقه مضاعافً ﴿وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ أي وله مع المضاعفة ثواب عظيم كريم وهو الجننة قال ابن كثير: أي جزاء جميل ورزق باهر وهو الجنة، ولما نزلت هذه الآية قال
«ابو الدحداح الأنصاري» يا رسول الله: وإنَّ الله ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح، قال أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده، قال: فإِني قد أقرضت ربي حائطي أي بستاني وله في ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه هي وعيالها، فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح قالت: لبيك، قال اخرجي فقد أقرضته ربي عَزَّ وَجَلَّ، فقالت: ربح بيعك يا أبا الدحداح ونقلت منه متاعها وصبيانها «. ثم أخبر تعالى عن المؤمنين الأبرار، وما يتقدمهم من الأنوار وهم على الصراط فقال ﴿يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾ أي اذكر يوم ترى أنوار المؤمنين والمؤمنات تتلألأ من أمامهم ومن جميع جهاتهم ليستضيئوا بها على الصراط، وتكون وجوههم مضيئة كإِضاءة القمر في سواد الليل ﴿بُشْرَاكُمُ اليوم جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي ويقا لهم: أبشروا اليوم بجنات الخلد والنعيم، التي تجري من تحت قصورها أنهار الجنة ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي ماكثين فيها أبداً ﴿ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم﴾ أي الفوز الذي لا فوز بعده لأنه سبب السعادة الأبدية، روي أن نور كل أحدٍ على قدر إِيمانه، وأنهم متفاوتون في النور، فمنهم من يضيء نوره ما قرب من قدميه، ومنهم من يُطفأ نوره مرة ويظهر مرة قال الزمخشري: وإِنما قال ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾ لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم.
. ولما شرح حال المؤمنين يوم القيامة، أتبع ذلك بشرح حال المنافقين فقال ﴿يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾ أي انتظرونا لنستضيء من نوركم قال المفسرون: إن الله تعالى يعطي المؤمنين نوراً يوم القيامة على قد أعمالهم يمشون به على الصراط، ويترك الكافرين والمنافقين بلا نور، فيستضيء المنافقون بنور المؤمنين، فبينما هم يمشون إِذ بعث الله فيهم ريحاً وظلمة، فبقوا في الظلمة لا يبصرون مواضع أقدامهم فيقولون للمؤمنين: انتظرونا لنستضيء بنوركم ﴿قِيلَ ارجعوا وَرَآءَكُمْ فالتمسوا نُوراً﴾ أي فيقول لهم المؤمنون سخريةً واستهزاءً بهم: ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا هذه الأنوار هناك قال أبو حيان: وقد علموا أن لا نور وراءهم، وإنما هو إِقناطٌ لهم ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ﴾ أي فضرب بين المؤمنين والمنافقين بحاجزٍ له باب، يحجز بين أهل الجنة وأهل النار ﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العذاب﴾ أي في باطن السور الذي هو جهة المؤمنين الرحمةُ وهي الجنة، وفي ظاهره وهو جهة الكافرين العذاب وهو النارُ قال ابن كثير: هو سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين، فإِذا انتهى إليه المؤمنون دخوله من بابه، فإِذا استكملوا دخولهم أعلق الباب