بالبعث والجزاء؟ ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ ؟ أي هل إذا متنا وأصبحنا ذراتٍ من التراب وعظاماً نخرة، أئنا لمحاسبون ومجزيون بأعمالنا؟ يقول ذلك على وجه التعجب والتكذيب والاستبعاد ﴿قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ﴾ ؟ أي قال ذلك المؤمن لإِخوانه في الجنة: هل أنتم مطَّلعونن إلى النار لننظر كيف حال ذلك القريب؟ قال تعالى ﴿فاطلع فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الجحيم﴾ أي فنظر فأبصر صاحبه الكافر في وسط الجحيم يتلظى سعيرها ﴿قَالَ تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ﴾ أي فخاطبه المؤمن شامتاً وقال له: واللهِ لقد قاربت أن تهلكني بإِغوائك ﴿وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ المحضرين﴾ أي ولولا فضلُ الله عليَّ بتثبيتي على الإِيمان، لكنتُ معك في النار محضراً ومعذباً في الجحيم، ثم يخاطبه مستهزءاً ساخراً كما كان ذلك الكافر يستهزىء به في الدنيا ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ ؟ أي هل لا تزال على اعتقادك بأننا لن نموت إلا موتةً واحدة، وأنه لا بعث ولا جزاء ولا حساب ولا عذاب؟ وهو أسلوب ساخر لاذع يظهر فيه التشفي من ذلك القرين الكافر، والتحدث بنعمة الله عليه قال تعالى ﴿إِنَّ هذا لَهُوَ الفوز العظيم﴾ أي إن هذا النعيم الذي ناله أهل الجنة لهو الفوز العظيم ﴿لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون﴾ أي لمثل هذا الجزاء الكريم يجب أن يعمل العاملون ويجتهد المجتهدون.
قال المفسرون: أشارت الآيات الكريمة إلى قصة شريكين كان لهما ثمانية آلاف درهم، فكان أحدهما يعبد الله ويقصِّر في التجارة والنظر إلى أمور الدنيا، وكان الآخر مقبلاً على تكثير ماله، فانفصل من شريكه لتقصيره، وكان لكما اشترى داراً أو جارية أو بستاناً أو نحو ذلك عوضه على المؤمن وفخر عليه بكثرة ماله، وكان المؤمن إذا سمع ذلك يتصدَّق بنحوٍ من ذلك ليشتري له به قصراً في الجنة، فإذا لقيه صديقه قال ما صنعت بمالك؟ قال: تصدقت به لله! فكان يسخر منه ويقول: أئنك لمن المصدِّقين؟ فكان أمرها ما قصَّ الله علينا في كتابه العزيز.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾ لأن السخرية في مقابلة التعجب.
٢ - التأكيد بإِن واللم ﴿إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ﴾ ومقتضى الكلام يقتضيه لإِنكار المخاطبين للوحدانية.
٣ - الأسلوب التهكمي ﴿فاهدوهم إلى صِرَاطِ الجحيم﴾ وردت الهداية بطريق التهكم، لأن الهداية تكون إلى طريق النعيم لا الجحيم.
٤ - الإِيجاز بالحذف ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ الله﴾ أي قولوا لا إ له إلا الله، وحذف لدلالة السياق عليه.
٥ - الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ﴿إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو العذاب الأليم﴾ والأصل إنهم لذائقو وإنما التفت لزيادة التقبيح والتشنيع عليهم.
٦ - الكناية ﴿قَاصِرَاتُ الطرف﴾ كنَّى بذلك عن الحور العين لأنهم عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن.


الصفحة التالية
Icon