وهو ما ارتفع من الأرض ﴿جُنَّةً﴾ بضم الجيم وقاية ﴿استحوذ﴾ استولى وغلب على عقولهم ﴿الأذلين﴾ الأذلاء المغمورين في الذل والهوان.
سَبَبُ النّزول: أعن مقاتل قال: «كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يُكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناسٌ من أهل بدر فيهم» ثابت بن قيس «وقد سُبقوا إِلى المجلس، فقاموا حيال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على أرجلهم ينتظرون أن يوسَّع لهم فلم يفسحوا لهم، فشقَّ ذلك على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال لمن حوله من غير أهل بدر قم يا فلان، فم يا قلان، بعدد الواقفين من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه، وطعن المنافقون في ذلك وقالوا: ما عدل هؤلاء، قوم أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب منه فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه!! فأنزل الله تعالى ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس فافسحوا يَفْسَحِ الله لَكُمْ..﴾ » الآية.
ب عن ابن عباس قال: «إن الناس سألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأكثروا عليه حتى شقَّ ذلك عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأراد الله أن يخفّف عن نبيه ويثبِّطهم عن ذلك فأنزل الله ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً..﴾ الآية فلما نزلت جبن كثير من المسلمين وكفَّوا عن المسألة.
ج قال السدي:» كان «عبد الله بن نبتل» المنافق يجالس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في حجرةٍ من حجراته إِذ قال يدخل عليكم الآن رجلٌ قلبه قلبُ جبار وينظر بعيني شيطان، فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق العينين فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل ذلك، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: بل فعلت، فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبُّوه فأنزل الله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ «.
التفسِير: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ﴾ نداءٌ من الله تعالى للمؤمنين بأكرم وصفٍ وألطف عبارة أي يا من صدَّقتم الله ورسوله وتحليتم بالإِيمان الذي هو زينة الإِنسان ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس فافسحوا﴾ أي إِذا قال لكم أحد توسعوا في المجالس سواءً كان مجلس الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أو غيره من المجالس فتوسعوا وافسحوا له ﴿يَفْسَحِ الله لَكُمْ﴾ أي يوسِّع لكم ربكم في رحمته وجنته قال مجاهد: كانوا يتنافسون في مجلس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأُمروا أن يفسح بعضهم لبعض قال الخازن: أمر الله المؤمنين بالتواضع وأن يفسحوا في المجلس لمن أراد الجلوس عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لتساوى الناس في الأخذ من حظهم من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفي الحديث» لايقيمنَّ أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكنْ توسَّعوا وتفسَّحوا يفسح اللهُ لكم «قال الإِمام الفخر: وقوله ﴿يَفْسَحِ الله لَكُمْ﴾ مطلٌ