تعالى الحكم تيسيراً على المؤمنين فقال ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي فإِذا لم تفعلوا ما أُمرتم به وشقَّ ذلك عليكم، وعفا الله عنكم بأن رخَّص لكم مناجاته من غير تقديم صدقة ﴿فَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾ أي فاكتفوا بالمحافظة على الصلاة ودفع الزكاة المفروضة ﴿وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي أطيعوا أمر الله وأمر رسوله في جميع أحوالكم ﴿والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي محيطٌ بأعمالكم ونياتكم قال المفسرون: نسخ الله ذلك تخفيفاً على العباد حتى قال ابن عباس: ما كان ذلك إِلا ساعةً من نهار ثم نسخ قال القرطبي: نسختْ فرضيةُ الزكاة هذه الصدقة، وهذا يدل على جواز النسخ قبل الفعل، وما روي عن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنه قال: «آية في كتاب الله لم يعمل بها على أحد قبلي ولا بعدي، كان عندي دينار فتصدقت به ثم ناجيت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الخ فضعيفٌ لأن الله تعالى قال ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ﴾ وهذا يدل على أن أحداً لم يتصدق بشيء ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِم﴾ تعجيبٌ للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من أمر المنافقين الذين اتخذوا اليهود المغضوب عليهم أولياء، يناصحونهم وينقلون إِليهم أسرار المؤمنين!! قال الإِمام الفخر: كان المنافقون يتولون اليهود وهم الذين غضب الله عليهم في قوله
﴿مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٦٠] وكانوا ينقلون إِليهم أسرار المؤمنين ﴿مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ﴾ أي ليس هؤلاء المنافقون من المسلمين ولا من اليهود، بل هم مذبذبون بين ذلك كقوله تعالى ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء﴾ [النساء: ٤٣] قال الصاوي: أي ليسوا من المؤمنين الخلَّص، ولا من الكافرين الخُلَّص، لا ينتسبون إِلى هؤلاء ولا إِلى هؤلاء ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي ويحلفون بالله كاذبين يقولون: والله إِنا لمسلمون، وهم يعملون أنهم كذبة فجرة قال أبو السعود: والصيغةُ مفيدة لكمال شناعة ما فعلوا، فإِن الحلف على ما يُعلم أنه كذبٌ في غاية القبح ﴿أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً﴾ أي هيأ لهم تعالى بسبب نفاقهم عذاباً في نهاية الشدة والألم، وهو الدرك الأسفل في جهنم
﴿إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً﴾ [النساء: ١٤٥] ﴿إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي بئس ما فعلوا وبئس ما صنعوا ﴿اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ أي جعلوا أيمانهم الكاذبة الفاجرة وقايةً لأنفسهم وسترةً لها من القتل قال في التسهيل: أصل الجُنَّة ما يُستتر به ويُتقى به المحذور كالترس، ثم استعمل هنا بطريق الاستعارة لأنهم كانوا يظهرون الإِسلام ليعصموا دماءهم وأموالهم ﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي فمنعوا الناس عن الدخول في الإِسلام، بإِلقاء الشبهات في قلوب الضعفاء والمكر والخداع بالمسلمين ﴿فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ أي فلهم عذاب شديد في غاية الشدة والإِهانة ﴿لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ الله شَيْئاً﴾ أي لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم في الآخرة، ولن تدفع عنهم شيئاً من عذاب الله {أولئك أَصْحَابُ النار