الأعداء كما قال القائل:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
قال ابن كثير: نزلت ﴿وَلَوْ كانوا آبَآءَهُمْ﴾ في «أبي عبيدة» قتل أباه الجراح يوم بدر، ﴿أَوْ أَبْنَآءَهُمْ﴾ في الصِّديق همَّ بقتل انبه «عبد الرحمن بن أبي بكر» ﴿أَوْ إِخْوَانَهُمْ﴾ في مُصعب بن عمير قتلا أخاه عُبيد بن عمير يومئذٍ ﴿أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ في حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، قتلوا عُتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة يوم بدر ﴿أولئك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان﴾ أي أثبت الإِيمان ومكنه في قلوبهم، فهي مؤمنةٌ موقنةٌ مخلصة ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾ أي وقوَّاهم بنصره وتأييده قال ابن عباس: نصرهم على عدوهم، سمى ذلك النصر روحاً لأن به يحيا أمرهم ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي ويدخلهم في الآخرة بساتين فسيحة، تجري من تحت قصورها أنهار الجنة ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي ما كثين فيها أبد الآبدين ﴿رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ أي قبل الله أعمالهم فرضي عنهم، ونالوا ثوابه فرضوا بما أعطاهم، وإِنما ذكر رضوانه عليهم بعدد دخولهم الجنة لأنه أعظم النعم، وأجل المراتب قال ابن كثير: وفي الآية سر بديع وهو أنهم لما سخطوا على الألقاب والعشائر في الله تعالى، عوَّضهم الله بالرضا عنهم وأرضاهم بما أعطاهم من النعيم المقيم، والفوز العظيم ﴿أولئك حِزْبُ الله﴾ أي أولئك جماعة الله وخاصته وأولياؤه ﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون﴾ أي هم الفائزون بخيري الدنيا والآخرة، وهذا في مقابلة قوله تعالى ﴿أولئك حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ﴾.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - صيغة المبالغة في ﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة: ١] وفي ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ وفي ﴿على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة: ٦].
٢ - الإِطناب بذكر الأُمهات ﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [المجادلة: ٢] زيادةً في التقرير والبيان.
٣ - الطباق ﴿وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ﴾ [المجادلة: ٧] لأن معنى أدنى أقل فصار الطباق بينها وبين أكثر.
٤ - عطف الخاص على العام تنبيهاً على شرفه ﴿يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم دَرَجَاتٍ﴾ فإن ﴿والذين أُوتُواْ العلم﴾ دخلوا في المؤمنين أولاً ثم خصوا بالذكر ثانياً تعظيماً لهم.
٥ - الاستعارة ﴿فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ استعار اليدين لمعنى قبل أي قبل نجواكم.
٦ - الاستفهام والمراد منه التعجيب ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِم..﴾.
٧ - الجناس الناقص بين ﴿يَعْلَمُونَ﴾ و ﴿يَعْمَلُونَ﴾ لتغير الرسم.
٨ - المقابلة بين ﴿أولئك حِزْبُ الله أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون﴾ وبين ﴿أولئك حِزْبُ الشَّيْطَانِ..﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon