الخروج من الوطن مع الأهل والولد ﴿شَآقُّواْ﴾ عادوا وخالفوا ﴿لِّينَةٍ﴾ بكسر اللام النخلة القريبة من الأرض، الكريمة الطيبة، سميت لينة لجودة ثمرها وأنشد الأخفش:
قد شجاني الحمامُ حين تغنَّى | بفراق الأحباب من فوقِ لينة |
سَبَبُ النّزول: لما نقض اليهود «بنو النضير» العهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حاصرهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأمر بقطع نخيلهم وإِحراقه إِهانةً لهم وإِرعاباً لقلوبهم، فقالوا يا محمد: ألست تزعم أنك نبيٌ؟ وأنك تنهى عن الفساد؟ فما بالك تأمر بقطع الأشجار وتحريقها؟ فأنزل الله تعالى ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله..﴾ الآية.
التفسِير: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي نزَّه الله تعالى ومجَّده وقدَّسه جميع ما في السموات والأرض من ملك، وإِنسان، وجماد، وشجر كقوله تعالى ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإِسراء: ٤٤] قال ابن كثير: يخبر تعالى أن جميع ما في السموات والأرض يبسح له ويُمجده ويقدِّسه ويُوحِّده ﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ أي وهو العزيز في ملكه، الحكيمُ في صنعه ﴿هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن دِيَارِهِمْ﴾ بيانٌ لبعض أثار قدرته تعالى الباهرة وعزته الظاهرة أي هو جلَّ وعلا الذي أخرج يهود بني النضير من مساكنهم بالمدينة المنورة ﴿لأَوَّلِ الحشر﴾ أي في أول مرة حُشروا وأخرجوا فيها من جزيرة العرب، إِذ لم يصبهم هذا الذل قبل ذلك قال البيضاوي: لما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ المدينة صالح «بني النضير» على ألاَّ يكونوا معه ولا عليه، فلما ظهر يوم بدر قالوا: إنه النبي المنعوتُ في التوراة بالنصرة لا تُردُّ له راية، فلما هُزم المسلمون يوم أُحد ارتابوا ونكثوا، وخرج «كعب بن الأشرف» في أربعين راكباً إِلى مكة وحالفوا «أبا سفيان» فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «محمد بن مسلمة» أخا كعبٍ من الرضاعة فقتله غيلةً، ثم صبَّحهم بالكتائب وحاصرهم، حتى صالحوه على الجلاء، فجلا أكثرهم إلى الشام، ولحقت طائفة بخيبر، فذلك قوله ﴿هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحشر﴾ قال الألوسي: ومعنى ﴿لأَوَّلِ الحشر﴾ أن هذا أول حشرهم إلى الشام أي اول ما حُشروا وأُخرجوا، ونبَّه بلفظ ﴿أول﴾ على أنهم لم يصبهم جلاءٌ قبله ﴿مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ﴾ أي ما ظننتم أيها المؤمنون أن يخرجوا من أوطانهم وديارهم بهذا الذل والهوان، لعزتهم ومنعتهم، وشدة بأسهم، حيث كانوا أصحاب حصون وعقار، ونخيلٍ وثمار ﴿وظنوا أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ الله﴾ أي وظنوا أن حصونهم الحصينة تمنعهم من بأس الله، وتدفع عنهم عذابه وانتقامه قال البيضاوي: والأصل أن يُقال: وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم