لقد وجدتيه، أما قرأتِ قول الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا﴾ ؟ ﴿واتقوا الله﴾ أي خافوا ربكم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ﴿لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً﴾ أي فإِن عقابه أليم وعذابه شديد، لمن عصاه وخالف ما أمره به ﴿إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾ هذا متعلقٌ بما سبق من حكم الفيء كأنه يقول: الفيءُ والغنائم لهؤلاء الفقراء المهاجرين الذين ألجأهم كفار مكة إِلى الهجرة من أوطانهم، فتركوا الديار والأموال، ابتغاء مرضاة الله ورضوانه ﴿وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي قاصدين بالهجرة إِعلاء كلمة الله ونصرة دينه ﴿أولئك هُمُ الصادقون﴾ أي هؤلاء الموصوفون بالصفات الحميدة هم الصادقون في إِيمانهم قال قتادة: هؤلاء المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال، والأهلين والأوطان، حباً لله ورسوله، حتى إِن الرجل منهم كان يعصب الحجر على بطنه ليُقيم به صُلبه من الجوع.
. ثم مدح تعال الأنصار وبيَّن فضلهم وشرفهم فقال ﴿والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي والذين اتخذوا المدينة منزلاً وسكناً وآمنوا قبل كثيرٍ من المهاجرين وهم الأنصار قال القرطبي: أي تبوءوا الدار من قبل المهاجرين، واعتقدوا الإِيمان وأخلصوه، والتبوء: التمكن والاستقرار، وليس يريد أن الأنصار آمنوا قبل المهاجرين، بل أراد آمنوا قبل هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِليهم ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ أي يحبون إِخوانهم المهاجرين ويواسونهم بأموالهم قال الخازن: وذلك أنهم أنزلوا المهاجرين في منازلهم، وأشركوهم في أموالهم ﴿وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ﴾ أي ولا يجد الأنصار حزازةً وغظياً وحسداً مما أعطي المهاجرون من الغنيمة دونهم قال المفسرون: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قسم أماول بني النضير بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئاً إِلا ثلاثة منهم، فطبت أنفس الأنصار بتلك القسمة ﴿وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ أي يفضلون غيرهم بالمال على أنفسهم ولو كانوا في غاية الحاجة الفاقة إِليه، فإِيثارهم ليس عن غنى عن المال، ولكنه عن حاجة وفقر، وذلك غاية الإِيثار ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون﴾ أي ومن حماه الله وسلم من البخل فقد أفلح ونجح، والشُحُّ هو البخل الشديد مع الجشع والطمع، وهو غريزة في النفس ولذلك أضيف إِليها، قال ابن عمر: ليس الشح أن يمنع الرجل ماله، إِنما الشحُّ أن تطمع عنيه فيما ليس له وفي الحديث
«واتقوا الشُحَّ فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم علىأن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم» ﴿والذين جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ هذا هو الصنف الثالث من المؤمنين المستحقين للإِحسان والفضل، وهم التابعون لهم بإِحسان إلى يوم القيامة {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الذين سَبَقُونَا


الصفحة التالية
Icon