به، فإِنه إنما استغفر لأبيه المشرك رجاء السلامة
﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [التوبة: ١١٤] ﴿وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْءٍ﴾ هذا من تتمة كلام إبراهيم لأبيه أي ما أدفع عنك من عذاب الله شيئاً إن أشركت به، ولا أملك لك شيئاً غير الاستغفار ﴿رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا﴾ أي علك اعتمدنا في جميع أمورنا ﴿وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا﴾ أي وإِليك رجعنا وتبنا ﴿وَإِلَيْكَ المصير﴾ إي وإِليك المرجع والمعاد في الدار الآخرة قال المفسرون: إن إبراهيم وعد أباه بالاستغفار كما في سورة مريم قال: ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً﴾ [مريم: ٤٧] واستغفر له بالقول فعلاً كما في سورة الشعراء ﴿واغفر لأبي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضآلين﴾ [الشعراء: ٨٦] وكلُّ هذا كان رجاء إسلامه، ثم رجع عن ذلك لمَّا تيقَّن كفره ما في سورة التوبة ﴿وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [التوبة: ١١٤] ﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي لا تسلطهم علينا فيفتنونا عن ديننا بعذاب لا نطيقه وقال مجاهد: أي لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذابٍ من عندك فيقولوا: لو كان هؤلاء على الحق لما أصابهم ذلك ﴿واغفر لَنَا﴾ أي اغفر لنا ما فرط من الذنوب ﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم﴾ أي أنت يا الله الغالب الذي لا يذل من التجأ إِليه، الحكيم الذي لا يفعل إِلا ما فيه الخير والمصلحة، وتكرار النداء للمبالغة في التضرع والجؤار. ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ أي لقد كان لكم في إِبراهيم ومن معه من المؤمنين قدوةٌ حسنة في التبرؤ من الكفار قال أبو مسعود: والتكريرُ للمبالغة في الحثِّ على الاقتداء به عليه السلام ولذلك صُدِّر بالقسم ﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر﴾ أي لمن كان يرجو ثواب الله تعالى، ويخاف عقابه في الآخرة ﴿وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد﴾ أي ومن يُعرض عن الإِيمان وطاعة الرحمن، فإِن الله مستغنٍ عن أمثاله وعن الخلق أجمعين، وهو المحمود في ذاته وصفاته ﴿عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً﴾ أي لعلَّ الله جل وعلا يجعل بينكم وبين الذين عاديتموهم من أقاربكم المشركين محبةً ومودة، محبةً بعد البغضاء، وألفة بد الشحناء قال في التسهيل: لما أمر الله المسلمين بعداوة الكفار ومقاطعتهم، على ما كان بينهم وبين الكفار من القرابة والمودة، وعلم الله صدقهم آنسهم بهذه الآية، ووعدهم بأن يجعل بينهم مودة أي محبة، وهذه المودة كملت في فتح مكة فإِنه أسلم حينئذٍ سائر قريش، وجمع الله الشمل بعد التفرق وقال الرازي: وعسى وعدٌ من الله تعالى وقد تحقق تعالى ما وعدهم به من اجتماع كفار مكة بالمسلمين، ومخالطتهم لهم حين فتح مكة ﴿والله قَدِيرٌ﴾ أي قادر لا يعجزه شيء، يقدر على تقليب القلوب وتغيير الأحوال ﴿والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي مبالغ في المغفرةُ والرحمة، لمن تاب إِليه وأناب ﴿لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ﴾ أي لا ينهاكم عن البر بهؤلاء الذين لم يحاربوكم لأجل دينكم، ولم يخرجوكم من أوطانكم كالنساء والصبيان، ولفظة ﴿أَن تَبَرُّوهُمْ﴾ في موضع جر ب «عن» أي


الصفحة التالية
Icon