إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ} أي فانقسم بنو إِسرائيل إِلى جماعتين: جماعةٌ آمنت به وصدَّقته، وجماعةٌ كفرت وكذبت برسالة عيسى ﴿فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ﴾ أي فقوينا المؤنين على أعدائهم الكافرين ﴿فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ﴾ أي حتى صاروا غالبين عليهم بالحجة والبرهان قال ابن كثير: لما بلَّغ عيسى بن مريم رسالة ربه، اهتدت طائفة من بني إِسرائيل بما جاءهم به، وضلَّت طائفة فجحدوا نبوته، ورموه وأُمه بالعظائم، وهم اليهود عليهم لغة الله، وغلت فيه طائفةٌ من أتباعه حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة، وافترقوا فيه فرقاً وشيعاً، فمنهم من زعم أن ابنُ الله، ومنهم من قال إِنه ثالث ثلاثة «الأب والابن وروح القدس» ومنهم من قال: إِنه اللهُ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فنصر الله المؤمنين على من عاداهم من فرق النصارى.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يأتي:
١ - أسلوب التوبيخ ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢] ؟ وهي «ما» الاستفهامية حذفت ألفها تخفيفاًن والغرض من الاستفهام التوبيخ.
٢ - الإِطناب بتكرار ذكر اللفظ لبيان غاية قبح ما فعلوه ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣] وبين ﴿تَقُولُواْ.. وتفعلوا﴾ طباقٌ.
٣ - التشبيه المرسل المفصَّل ﴿كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ [الصف: ٤] أي في المتانة والتراص.
٤ - الاستعارة اللطيفة ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله﴾ [الصف: ٨] استعار نور الله لدينه وشرعه المنير، وشبَّه من أراد إِبطال الدين بمن أراد إِطفاء الشمس بفمه الحقير، على طريق الاستعارة التمثيلية، وهذا من لطيف الاستعارات.
٥ - الاستفهام للترغيب والتشويق ﴿هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ﴾ ؟.
٦ - الطباق ﴿فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ.. وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ﴾.
٧ - السجع المرصَّع كأنه حبات در منظومة في سلك واحد مثل ﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين﴾ [الصف: ٥] ﴿قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [الصف: ٦] ﴿قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المؤمنين﴾ وهو من المحسنات البديعية.
تنبيه: إِنما قرنت قصة موسى وعيسى في هذه السورة لأنهما من أنبياء بني إِسرائيل، وهما من أعظم أنبيائهم ومن أولي العزم الذين ذكرهم الله في كتابه العزيز بالثناء والتبجيل.


الصفحة التالية
Icon