إِلَيْكُمْ ذِكْراً} أي قد أنزل الله إِليكم وحياً يتلى وهو القرآنُ الحكيم ﴿رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ الله مُبَيِّنَاتٍ﴾ أي وأرسل إِليكم رسولاً وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقرأ عليكم آياتِ الله، واضحات جليات، تبيِّن الحلال والحرام وما تحتاجون إِليه من الأحكام قال في البحر: والظاهر أن الذكر هو القرآن، وأن الرسول هو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿لِّيُخْرِجَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنَ الظلمات إِلَى النور﴾ أي ليخرج المؤمنين المتقين، من الضلالة إِلى الهدى، ومن ظلمة الكفر والجهل إِلى نور الإِيمان والعلم ﴿وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صَالِحاً﴾ أي ومن يُصدق بالله ويعمل بطاعته ﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي يدخله في الآخرة جنات النعيم، تجري من تحت قصورها أنهار الجنة ﴿خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ أي ماكثين في تلك الجنات جنان الخلق أبداً لا يخرجون منها ولا يموتون ﴿قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً﴾ أي قد طيَّب الله رزقهم في الجنة ووسَّعه لهم، لأن نعيمها دائم لا ينقطع قال الطبري: أي وسَّع لهم في الجنات الرزق، وهو ما رزقهم من المطاعم والمشارب وسائر ما أعدَّ لأوليائه فيها فطيَّبه لهم، وفي الآية معنى التعجب والتعظيم لما رزق الله المؤمن من الثواب.
. ثم أشار تعالى إِلى آثار قدرته، وعظيم سلطانه وجلاله فقال ﴿الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سماوات وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ﴾ أي اللهُ العظيم الكبير هو الذي خلق بقدرته سبع سمواتٍ طباقاً، ومن الأرض كذلك خلق سبع أرضين بعضها فوق بعض بدون فتوق بخلاف السموات ﴿يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ﴾ أي يتنزل وحيُ الله ويجري أمره وقضاؤه بين السموات والأرضين ﴿لتعلموا أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي لتعلموا أن من قدر على خلق ذلك قادر على كل شيءٍ ﴿وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ أي ولتعلموا أنه تعالى عالم بكل شيء، لا تخفى عليه خافية.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ﴾ وكذلك ﴿بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾.
٢ - الإِظهار في موضع الإِضمار للتهويل ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ الله وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله﴾.
٣ - الالتفات لمزيد الاهتما ﴿لاَ تَدْرِى لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾ ورد بطريق الخطاب والأصل أن يكون بطريق الغائب «لا يدري».
٤ - إيجاز الحذف ﴿واللائي لَمْ يَحِضْنَ﴾ حذف منه الخبر أي فعدتهن ثلاثة أشهر أيضاً.