لآدمي زيد شرط رابع وهو: ردٌّ المظالم لأصحابها ﴿عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ أي لعل الله يرحمكم فيمحو عنكم ذنوبكم قال المفسرون: «عسى» من الله واجبة بمنزلة التحقيق، وهذا إِطماعٌ من الله لعباده في قبول التوبة، تفضلاً منه وتكرماً، لأن العظيم إِذا وعد وَفَّى، وعادة الملوك أنهم إِذا أرادوا فعلا قالوا «عسى» فهو بمنزلة المحقق ﴿وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي ويدخلكم في الآخرة حدائق وبساتين ناضرة، تجري من تحت قصورها أنهار الجنة ﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ﴾ أي يوم لا يفصح الله النبي وأتباعه المؤمنين أمام الكفار، بل يعزهم ويكرمهم قال أبو السعود: وفيه تعريضٌ بمن أخزاهم اللهُ تعالى من أهل الكفار والفسوق ﴿نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ أي نور هؤلاء المؤمنين يضيء لهم على الصراط، ويسطع أمامهم وخلفهم وعن أيمانهم وشمائلهم، كإِضاءة القمر في سواد الليل ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾ أي يدعون الله قائلين: يا ربنا أكمل علينا هذا النور وأدمه لنا، ولا تتركنا نتخبط في الظلمات قال ابن عباس: هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين، يدعون ربهم به إِشفاقاً حتى يصلوا إِلى الجنة ﴿واغفر لَنَآ﴾ أي وامح عنا ما فرط من الذنوب ﴿إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي إنك أنت القادر على كل شيء، من المغفرة والعقاب، والرحمة والعذاب.. ثم أمر تعالى بجهاد أعداء الله من الكفرة والمنافقين فقال ﴿ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين﴾ أي جاهد الكفار بالسيف والسِّنان، والمنافقين بالحجة والبرهان، لأن المنافقين يظهرون الإِيمان، فيهم مسلمون ظاهراً فلذلك لم يؤمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ بقتالهم ﴿واغلظ عَلَيْهِمْ﴾ أي وشدِّد عليهم في الخطاب، ولا تعاملهم بالرأفة واللين، إِرعاباً وإِذلالاً لهم، لتنكسر صلابتهم وتلين شكيمتهم ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ أي ومستقرهم في الآخرة جهنم ﴿وَبِئْسَ المصير﴾ أي وبئست جهنم مستقراً ومصيراً للمجرمين.
. ثم ضرب الله تعالى مثلاً للكفار في عدم انتفاعهم بصلة القرابة أو المصاهرة أو النكاح، لأن الأسباب لكها تنقطع يوم القيامة ولا ينفع إِلا العمل الصالح فقال ﴿ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ﴾ أي مثلَّل تعالى للكفار في عدم استفادتهم بقرابة المؤمنين، بحال امرأة نوحٍ وامرأة لوط ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ﴾ أي كانتا في عصمة نبيين عظيمين هما «نوح و» لوط «عليهما السلام، وإِنما وصفهما بالعبودية تشريفاً وتكريماً لهما بإِضافتهما إِليه تعالى ﴿فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ الله شَيْئاً﴾ أي فخانت كل واحدة زوجها بالكفر وعدم الإِيمان، فلم يدفعا عن امرأتيهما


الصفحة التالية
Icon