﴿شَهِيقاً﴾ صوتاً منكراً كصوت الحمير ﴿تَمَيَّزُ﴾ تتقطع وينفصل بعضها من بعض، وأصلها تتميَّز حذفت احدى التاءين تخفيفاً ﴿مَنَاكِبِهَا﴾ أطرافها ونواحيها، وأصل المنكب: الجانب ومنه منكب الرجل ﴿لَّجُّواْ﴾ تمادوا وأصروا ﴿تَمُورُ﴾ ترتج وتضطرب ﴿زُلْفَةً﴾ قريباً منهم ﴿غَوْراً﴾ غائراً ذهباً في الأرض.
التفسِير: ﴿تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك﴾ أي تمجَّد وتعالى اللهُ العلي الكبير، المفيض على المخلوقات من فنون الخيرات، الذي بقبضة قدرته ملك السموات والأرض، يتصرف فيهما كيف يشاء قال ابن عباس: بيده الملك، يعزُّ من يشاء ويذل من يشاء، ويحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع ﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي وهو القادر على كل شيء له القدرة التامة، والتصرف الكامل في كل الأمور، من غير منازع ولا مدافع.. ثم بيَّن تعالى آثار قدرته، وجليل حكمته فقال ﴿الذي خَلَقَ الموت والحياة﴾ أي أوجد في الدنيا الحياة والموت، فأحيا من شاء وآمات من شاء، وهو الواحد القهار، وإِنما قدم الموت لأنه أهيب في النفوس وأفزع قال العلماء: ليس الموت فناءاً وانقطاعاً بالكلية عن الحياة، وإِنما هو انتقال من دار إِلى دار، ولهذا ثبت في الصحيح أن الميت يسمع، ويرى، ويُحسُّ وهو في قبره كما قال عليه السلام «إنَّ أحدكم إِذا وضع في قبره وتولَّىعنه أصحابه وإِنه ليسمع قرع نعالهم» الحديث وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم لكنهم لا يجيبون» فالموتُ هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقتها للجسد ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ أي ليمتحنكم ويختبركم أيها الناس فيرى المحسن منكم من المسيء قال القرطبي: أي يعاملكم معالمة المختبر، فإن الله تعالى عالم بالمطيع والعاصي أزلاً ﴿وَهُوَ العزيز﴾ أي الغالبُ في انتقامه ممن عصاه ﴿الغفور﴾ لذنوب من تاب وأناب إِليه ﴿الذي خَلَقَ سَبْعَ سماوات طِبَاقاً﴾ أي لست ترى أيها السامع في خلق الرحمن البديع من نقص أو خلل، أو اختلاف أو تنافر، بل هي في غاية الإِحكام والإِتقان، وإِنما قال ﴿فِي خَلْقِ الرحمن﴾ ولم يقل «فيهن» تعظيماً لخلقهن، وتنبيهاً على باهر قدرة الله ﴿فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ﴾ ؟ أي فكرّر النظر في السموات وردّده في خلقهن المحكم، هل ترى من شقوق وصدوع؟ ﴿ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ أي ثم ردِّد النظر مرةً بعد أُخرى، وانظر بعين الاعتبار في هذه السموات العجيبة، مرةً بعد مرة ﴿يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً﴾ أي يرجع إِليك بصرك خاشعاً ذليلاً، لم ير ما تريد ﴿وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ أي وهو كليلٌ متعب قد بلغ الغاية في الإِعياء قال الإِمام الفخر: المعنى إِنك إِذا كررت نظرك لم يرجع إِليك بصرك بما طلبته من وجود الخلل والعيب، بل رجع خاسئاً مبعداً لم ير ما يهوى مع الكلال والإِعياء وقال القرطبي: أي ارددك طرفك وقلّب البصر في السماء ﴿كَرَّتَيْنِ﴾ أي مرةً بعد أخرى، يرجع إِليك البصر خاشعاً صاغراً، متباعداً عن أن يرى شيئاً من ذلك العيب والخلل، وإنما أمر بالنظر كرتين، لأن


الصفحة التالية
Icon