يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض} أي هل أمنتم يا معشر الكفار ربكم العليَّ الكبير أن يخسف بكم الأرض فيغيبكم في مجاهلها، بعد ما جعلها لكم ذلولاً تمشون في مناكبها؟ ﴿فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ أي فإِذا بها تضطرب وتهتز بكم هزاً شديداً عنيفاً قال الرازي: والمراد أنَّ الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب وتتحرك، فتعلو عليهم وهم يخسفون فيها فيذهبون، والأرضُ فوقهم تمور فتلقيهم إِلى أسفل سافلين ﴿أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي السمآء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً﴾ أي أم أمنتم الله العليَّ الكبير أن يرسل عليكم حجارة من السماء، كما أرسلها على قوم لوطٍ وأصحاب الفيل؟ ﴿فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ﴾ أي فستعلمون عند معاينة العذاب، كيف يكون إِنذاري وعقابي للمكذبين!! وفيه وعيد وتهديدٌ شديد، وأصلها ﴿نذيري﴾ و ﴿نكيري﴾ حذفت الياء مراعاةً لرءوس الآيات ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي ولقد كذب كفار الأمم السابقة رسلهم، كقوم نوحٍ وعادٍ وثمود وأمثالهم، وهذا تسلية للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتهديد لقومه المشركين ﴿فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ﴾ أي فكيف كان إنكاري عليهم بنزول العذاب؟ ألم يكن في غاية الهول والفظاعة؟ ثم لما حذَّرهم ما عسى أن يحل بهم من الخسف وإِرسال الحاصب، نبَّههم على الاعتبار بالطير، وما أحكم الله من خلقها، وعن عجز آلهتهم المزعومة عن خلق شيءٍ من ذلك فقال ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾ أي أولم ينظروا نظر اعتبار الى الطيور فوقهم، باسطاتٍ أجنحتهن في الجو عند طيرانها وتحلقيها، ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ أي ويضممنها إِذا ضربن بها جنوبهن وقتاً بعد وقت؟ ولما كان الغالب هو فتح الجناحين فكأنه هو الثابت عبَّر عنه بالإِسم ﴿صَافَّاتٍ﴾ وكان القبض متجدداً عبَّر عنه بالفعل ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ قال في التسهيل: فإِن قيل: لِمَ لم يقل «قابضات» على طريقة ﴿صَافَّاتٍ﴾ ؟ فالجواب أن بسط الجناحين هو الأصل في الطيران، كما أن مدَّ الأطراف هو الأصل في السباحة، فذكره بصيغة اسم الفاعل ﴿صَافَّاتٍ﴾ لدوامه وكثرته، وأما قبضُ الجناحين فإِنما يفعله الطائر قليلاً للاستراحة والاستعانة، فلذلك ذكره بلفظ الفعل لقلته ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن﴾ أي ما يمسكهن في الجو عن السقوط في حال البسط والقبض، إِلا الخالق الرحمن الذي وسعت رحمته كل ما في الأكوان قال الرازي: وذلك أنها مع ثقلها وضخامة أجسامها، لم يكن بقاؤها في جو الهواء إِلا بإِمساك الله وحفظه، وإِلهامها الى كيفية البسط والقبض المطابق للمنفعة من رحمة الرحمن ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ أي يعلم كيف يخلق، وكيف يبدع العجائب، بمقتضى عمله وحكمته.
. ثم وبَّخ تعالى المشركين في عبادتهم لما لا ينفع ولا يسمع فقال ﴿أَمَّنْ هذا الذي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ الرحمن﴾ ؟ أي من هذا الذي يستطيع أن يدفع عنكم الله من الأنصار والأعوان؟! قال ابن عباس: أي من ينصركم مني إِن أردتُ عذابكم؟ ﴿إِنِ الكافرون إِلاَّ فِي غُرُورٍ﴾ أي ما الكافرون في اعتقادهم أن آلهتهم تنفع أو تضرُّ إِلا في جهل عظيم، وضلال مبين، حيث ظنوا الأوهام حقائق، فاعتزوا بالأوثان والأصنام ﴿أَمَّنْ هذا الذي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾ ؟ أي من هذا الذي يرزقكم غير الله إِن منع الله عنكم رزقه؟ والخطاب في الآيتين للكفار على وجه التوبيخ


الصفحة التالية
Icon