العلية، والأخلاق المرضية ولقد أحسن القائل:
إذا الله أثنى بالذي هو أهله | عليك فما مقدار ما تمدح الورى؟ |
﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ﴾ أي فسوف ترى يا محمد، ويرى قومك ومخالفوك كافر مكة إذا نزل به العذاب
﴿بِأَييِّكُمُ المفتون﴾ أي أيكم الذي فتن بالجنون؟ هل أنت كما يفترون، أم هم بكفرهم وانصرافهم على الهدى؟ قال القرطبي: والمفتون: المجنون الذي فتنه الشيطان، ومعظم السورة نزل في
«الوليد بن المغيرة» و
«أبي جهل» وقد كان المشركون يقولون: إن بمحمد شيطاناً، وعنوا بالمجنون هذا، فقال الله تعالى سيعلمون غداً بأيهم المجنون أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ﴾ أي هو سبحانه العالم بالشقي المنحرف عن دين الله وطريق الهدى
﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾ أي وهو العالم بالتقي المهتدي إِلى الدين الحق، وهو تعليل لما قبله وتأكيد للوعد والوعيد كأنه يقول: إنهم هم المجانين على الحقيقة لا أنت، حيث كانت لهم عقول لم ينتفعوا بها، ولا استعملوها فيما ينجيهم ويسعدهم
﴿فَلاَ تُطِعِ المكذبين﴾ أي فلا تطع رؤساء الكفر والضلال الذين كذبوا برسالتك وبالقرآن، فيما يدعونك إليه قال الرازي: دعاه رؤساء أهل مكة إلى دين آبائه، فنهاه الله أن يطعيهم، وهذا من الله إلهاب وتهييج للتشدد في مخالفتهم
﴿وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ أي تمنوا لو تلين لهم يا محمد، وتترك بعض ما لا يرضونه مصانعة لهم، فيلينوا لك ويفعلوا مثل ذلك في التسهيل: المداهنة: هي الملاينة والمداراة فيما لاينبغي، روي أن الكفار قالوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لو عبدت آلهتنا لعبدنا إلهك فنزلت الآية
﴿وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ﴾ أي ولا تطع يا محمد كثير الحلق بالحق والباطل، الذي يكثر من الحلف مستهيناً بعظمة الله
﴿مَّهِينٍ﴾ أي فاجر حقير
﴿هَمَّازٍ﴾ أي مغتاب يأكل لحوم الناس بالطعن والعيب
﴿مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ﴾ أي يمشي بالنميمة بين الناس، وينقل حديثهم ليوقع بينهم وهو الفتان، وفي الحديث الصحيح
«لا يدخل الجنة نمام» ﴿مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ﴾ أي بخيل ممسك عن الإِنفاق في سبيل الله
﴿مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ أي ظالم متجاوز في الظلم والعدوان، كثير الآثام والإِجرام، وجاءت الأوصاف
﴿حلاف، هماز، مشاء، مناع﴾ بصيغة المبالغة للدلالة على الكثرة
﴿عُتُلٍّ﴾ أي جاف غليظ، قاسي القلب عديم الفهم
﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ أي بعد تلك الأوصاف الذميمة التي تقدمت
﴿زَنِيمٍ﴾ أي ابن زنا، وهو أشد معايبه واقبحُها، أنه لصيق دعي ليس له نسب صحيح قال المفسرون: نزلت في
«الوليد بن المغيرة» فقد كان داعياً في قريش وليس منهم، ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة أي تبناه ونسبه لنفسه بعد أن كان لا يعرف له أب قال ابن عباس: لا نعلم أحداً وصفه الله بهذه العيوب غير هذا، فألحق به عاراً لا يفارقه أبداً، وإِنما ذُمَّ بذلك لأن النطفة إِذا خبثت خبث الولد، وروي أن الآية لما نزلت جاء الوليد إِلى أمه فقال لها: إن محمداً وصفني بتسع صفات، كلها ظاهرة فيَّ اعرفها غير التاسع منها يريد أنه
﴿زَنِيمٍ﴾ فإن لم تصدقيني ضربت عنقك بالسيف، فقال له: إن أباك كان عنيناً أي لا يستطيع معاشرة النساء فخفت على المال فمكنت راعياً من نفسي فأنت ابن ذلك الراعي، فلم يعرف أنه ابن زنا حتى