المرسلين؟ ﴿كَلاَّ﴾ ردع وزجر أي ليس الأمر كما يطمعون، فإِنهم لا يدخلونها أبداً ثم قال ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ﴾ أي خلقناهم من الأشياء المستقذرة، من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، فمن أين يتشرفون بدخول جنات النعيم قبل المؤمنين، وليس لهم فضل يستوجبون به دخول الجنة؟ وإِنما يستوجب دخول الجنة من أطاع الله قال القرطبي: كانوا يستهزئون بفقراء المسلمين ويتكبرون عليهم فقال تعالى ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ﴾ أي من القذر فلا يليق بهم هذا التكبر ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ المشارق والمغارب﴾ أي فأقسم برب مشارق الشمر والقمر والكواكب ومغاربها ﴿إِنَّا لَقَادِرُونَ على أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ﴾ أي قادرون على إهلاكهم، واستدالهم بقومٍ أفضل منهم وأطوع لله ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ أي ولسنا بعاجزين عن ذلك ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ﴾ أي اتركهم يا محمد يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم، واشتغل أنت بما أُمرت به، وهو أمرٌ على جهة الوعيد والتهديد للمشركين ﴿حتى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ﴾ أي حتى يلاقوا ذلك اليوم العصيب الرهيب، الذي لا ينفعهم فيه توبة ولا ندم ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً﴾ ويخرجون من القبور إِلى أرض المحشر مسرعين ﴿كَأَنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ أي كأنهم يسعون ويستبقون إِلى أصنامهم التي نصبوها ليعبدوها، شبَّه حالة إِسراعهم إِلى موقف الحساب، بحالة إسراعهم وتسابقهم في الدنيا، الى آلهتهم وطواغيتهم، وفي هذا التشبيه تهكم بهم، وتعريض بسخافة عقولهم، إِذ عبدوا ما لا يستحق العبادة، وتركوا عبادة الواحد الأحد ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ أي خاضعة منكسرة أبصارهم إِلى الأرض لا يرفعونها خجلاً من الله ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ أي يغشاهم الذل والهوان من كل مكان، وعلى وجوههم آثار الذلة والانكسار ﴿ذَلِكَ اليوم الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾ أي هذا هو اليوم الذي وعدوا به في الدنيا وكانوا يهزءون ويكذبون، فاليوم يرون عقابهم وجزائهم!!
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق بين ﴿بَعِيداً.
. قَرِيباً﴾
وبين ﴿اليمين.. والشمال﴾ وبين ﴿المشارق والمغارب﴾.
٢ - جناس الاشتقاق ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ﴾ وكذلك ﴿تَعْرُجُ المعارج﴾.
٣ - ذكر الخاص بعد العام تنبيهاً لفضله وتشريفاً له ﴿تَعْرُجُ الملائكة والروح﴾ الورح هو جبريل.
٤ - التشبيه المرسل المجمل ﴿يَوْمَ تَكُونُ السمآء كالمهل وَتَكُونُ الجبال كالعهن﴾ لحذف وجه الشبه.
٥ - ذكر العام بعد الخاص ﴿لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ.. وَمَن فِي الأرض جَمِيعاً﴾ جاء بالعموم بعد الخصوص لبيان هو الموقف.
٦ - المقابلة اللطيفة ﴿إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً﴾ قابله بقوله ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً﴾.
٧ - الاستفهام الإِنكاري للتقريع والتوبيخ ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾ ؟
٨ -


الصفحة التالية
Icon