زيد في المدينة وهو في جزء منها ﴿وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً﴾ أي وجعل الشمس مصباحاً مضيئاً يستضيء به أهل الدنيا كما يستضيء الناس بالسراج في بيوتهم، ولما كان نور الشمس أشدّ، وأتم، وأكمل في الانتفاع من نور القمر، عبر عن الشمس بالسراج لأنه يضيء بنفسه، وعبر عن القمر بالنور لأنه يستمد نوره من غيره، ويؤيده ما تقرر في علم الفلك من أن نور الشمس ذاتي فيها، ونور القمر عرضي مكتسب من نورها، فسبحان من أحاط بكل شيء علماً ﴿والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً﴾ بعد أن ذكر دليل الآفاق، ذكر هنا دليل الأنفس، وذلك لأن في ذكر هذه الأمور، دلالة واضحة على عظمة الله، وقدرته وباهر مصنوعاته والمعنى خلقكم وأنشأكم من الأرض كما يخرج النبات، وسلَّكم من تراب الأرض كما يسل النبات منها قال المفسرون: لما كان إخراجهم وإِنشاؤهم إنما يتم بتناولهم عناصر الغذاء الحيوانية والنباتية المستمدة من الأرض، كانوا من هذه الجهة متشابهين للنباتات التي تنمو بامتصاص غذائها من الأرض، فلذا سمى خلقهم وإنشاءهم إنباتاً، أو يكون ذلك إشارة إلى خلق آدم حيث خلق من تراب الأرض، ثم جاءت منه ذريته، فصح نسبتهم إلى أنهم أنبتوا من الأرض ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً﴾ أي يرجعكم إلى الأرض بعد موتكم فتدفنون فيها، ثم يخرجكم منها يوم البعث والحشر للحساب والجزاء، وأكده بالمصدر ﴿إِخْرَاجاً﴾ لبيان أن ذلك واقع لا محالة، وهذه الآية كقوله تعالى
﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى﴾ [طه: ٥٥] ﴿والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً﴾ أي جعلها فسيحة ممتدة ممهدة لكم، تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه قال في التسهيل: شبه الأرض بالبساط في امتدادها واستقرار الناس عليها، وأخذ بعضهم من الآية أنها غير كروية، وفي ذلك نظر وقال الألوسي: وليس الآية دلالة على أن الأرض مبسوطة غير كروية، لأن الكرة العظيمة يرى كل من عليها ما يليه مسطحاً، ثم إن اعتقاد الكرية أو عدمها ليس بلازم في الشريعة، لكن كريتها كالأمر اليقيني، ومعنى جعلها بساطاً أي تتقلبون عليها كالبساط ﴿لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً﴾ أي لتسلكوا في الأرض طرقاً واسعة في أسفاركم، وتنقُّلكم في أرجائها؟؟ ولما أصروا على العصيان، وقابلوه بأقبح الأقوال والأفعال، حكى عنهم ما قصه القرآن ﴿قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي﴾ أي إنهم بالغوا في تكذيبي وعصيان أمري ﴿واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً﴾ أي واتَّبعوا اغنياءهم ورؤساءهم، الذين أبطرتهم الأموال والأولاد،