طريق الحق، يقال قسط الرجل إِذا جار ﴿صَعَداً﴾ شاقاً يعلو الإِنسان ويغلبه فلا يطيقه يقال: فلان في صعد من أمره أي في مشقة ﴿يَسْلُكْهُ﴾ يدخله ﴿لِبَداً﴾ متراكمين بعضهم فوق بعض يقال: تلبد الشيء أي تراكم بعضه فوق بعض ﴿مُلْتَحَداً﴾ ملجأ وحرزاً يتحصن به الإِنسان.
التفسِير: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن﴾ أي قل يا محمد لقومك: إن ربي أوحى إلي جماعة من الجن استمعوا لتلاوتي للقرآن، فآمنوا به وصدقوه وأسلموا ﴿فقالوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً﴾ أي فقالوا لقومهم حين رجعوا إِليهم: إنا سمعنا قرآناً عجيباً، مؤثراً في حسن نظمه، وبلاغة أسلوبه، وما حواه من بديع الحِكَم والعظات و ﴿عَجَباً﴾ مصدر وصف به للمبالغة قال المفسرون: استمعوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو يقرأ القرآن في صلاة الفجر، ولم يشعر بهم ولا باستماعهم، وإنما أخبر به الرسول بواسطة الوحي بدليل قوله ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ﴾ ويؤيده ما قصه الله على نبيه في سورة الأحقاف من خبرهم ﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن يَسْتَمِعُونَ القرآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالوا أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٩] والغرض من الإِخبار عن استماع الجن، توبيخ وتقريع قريش والعرب في كونهم تباطئوا عن الإِيمان، إذ كانت الجن خيراً منهم وأسرع إلى الإِيمان، فإنهم من حين ما سمعوا القرآن استعظموه وآمنوا ورجعوا إلى قومهم منذرين، بخلاف العرب الذين نزل بلسانهم، فإنهم كذبوا واستهزءوا وهم يعلمون أنه كلام معجز، وأن محمداً أمي لا يقرأ ولا يكتب، وشتان ما بين موقف الإِنس والجن!! ﴿يهدي إِلَى الرشد فَآمَنَّا بِهِ﴾ أي يهدي هذا القرآن إلى الحق والرشاد والصواب فصدقنا به ﴿وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً﴾ أي ولن نعود إلى ما كنا عليه من الشرك، ولن نجعل الله شريكاً بعد اليوم من خلقه قال الخازن: وفي الآية دليل على أن أولئك النفر كانوا مشركين ﴿وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا﴾ أي تعالت عظمة ربنا وجلاله ﴿مَا اتخذ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً﴾ أي ليس له زوجة ولا ولد، لأن الزوجة تتخذ للحاجة، والولد للاستئناس، والله تعالى منزه عن النقائص ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى الله شَطَطاً﴾ أي وأن الأحمق الجاهل فينا كان ينسب إلى الله ما لا يليق بجلاله وقدسيته ويقول قولاً شططاً بعيداً عن الحق وحدِّ الاعتدال قال مجاهد: السفيه هو إبليس دعاهم إلى عبادة غير الله ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ الإنس والجن عَلَى الله كَذِباً﴾ أي كنا نظن أن أحداً لن يكذب على الله تعالى لا من الإِنس ولا من الجن في نسبة الصاحبة والولد إليه، فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به علمنا أنهم كانوا يكذبون على الله في ذلك قال الطبري: وإنما أنكر هؤلاء النفر من الجن أن تكون علمت أن أحداً يجترىء على الكذب على الله لما سمعت القرآن، لأنهم قبل أن يسمعوه وقبل أن يعلموا تكذيب الله للزاعمين لله الصاحبة والولد كانوا يحسبون أن إِبليس صادق، فما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذباً في ذلك فسموه سفيهاً {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ