يكون أن رسله الكرام قد بلغوا عنه وحيه كما أوحاه إليهم محفوظاً من الزيادة والنقصان قال ابن كثير: المعنى أن الله يحفظ رسله بملائكته ليتمكنوا من أداء رسالاته، ويحفظ ما ينزله إليهم من الوحي، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم، مع العلم بأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعاً لا محالة ﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ أي أحاط علمه بما عند الرسل، فلا يخفى عليه شيء من أمورهم ﴿وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً﴾ أي علم تعالى علم ضبط واستقصاء جميع الأشياء، المنبثَّة في الأرضين والسموات من القطر، والرمل، وورق الشجر، وزبد البحار، فلا يغيب عنه شيء، ولا يفخى عليه أمر، فكيف لا يحيط علماً بما عند رسله من رسالاته ووحيه، التي أمرهم بتبليغها إلى خلقه؟ وكيف يمكن لرسله أن يفرطوا في تلك الرسالات، أو يزيدوا أو ينقصوا أو يحرفوا فيها أو يغيروا، وهو تعالى محيط بها، محص لجميع الأشياء جليلها وحقيرها؟
﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البر والبحر وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرض وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩].
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الوصف بالمصدر للمبالغة ﴿قُرْآناً عَجَباً﴾ أي عجيباً في حسن إيجازه، وروعة إعجازه.
٢ - طباق السلب ﴿فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً﴾ لأن الإِيمان نفي للشرك.
٣ - جناس الاشتقاق ﴿نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ لما بين اللفظتين من الاشتقاق اللطيف.
٤ - الأسلوب الرفيع بنسبة الخير إلى الله، دون الشر أدباً مع الخالق ﴿وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ ؟ وبين لفظ «الشر» و «الرشد» طباقٌ في المعنى.
٥ - الطباق بين ﴿الإنس.. والجن﴾ وبين ﴿ضَرّاً.. ورَشَداً﴾ وبين ﴿المسلمون والقاسطون﴾.
٦ - الاستعارة اللطيفة ﴿كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً﴾ استعارة الطرائق للمذاهب المختلفة، وهو من لطيف الاستعارة.
٧ - توافق الفواصل مراعاة لرؤوس الآيات مثل ﴿أَحَداً، وَلَداً، رَّصَداً، رَشَداً، صَعَداً، عَدَداً﴾ الخ وهو ما يسمى في علم البديع بالسجع المرصع والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon