ربك يا محمد يعلم أنك تقوم مع أصحابك للتهجد والعبادة أقل من ثلثي الليل، وتارة تقومون نصفه، وتارةً ثلثه كقوله تعالى
﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: ١٧١٨] ﴿والله يُقَدِّرُ الليل والنهار﴾ أي والله جلا وعلا هو العالم بمقادير الليل والنهار، وأجزائهما وساعاتهما، لا يفوته علم ما تفعلون من قيام هذه الساعات في غلس الظلام ابتغاء رضوانه، وهو تعالى المدبّر لأمر الليل والنهار ﴿عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ أي علم تعالى أنكم لن تطيقوا قيام الليل كله ولا معظمه، فرحمكم ورجع عليكم بالتخفيف قال الطبري: أي علم ربكم أن لن تطيقوا قيامه، فتاب عليكم بالتخفيف عنكم ﴿فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن﴾ أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، وإنما عبَّر عن الصلاة بالقراءة، لأن القراءة أحد أجزاء الصلاة قال ابن عباس: سقط عن أصحاب رسول الله قيام الليل وصارت تطوعاً، وبقي ذلك فرضاً على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.. ثم بين تعالى الحكمة في هذا التخفيف فقال ﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى﴾ أي علم تعالى أنه سيوجد فيكم من يعجزه المرضُ عن قيام الليل، فخفف عنكم رحمة بكم ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله﴾ أي وقوم آخرون يسافرون في البلاد للتجارة، يطلبون الرزق وكسب المال الحلال ﴿وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي وقوم آخرون وهم الغزاة المجاهدون، يجاهدون في سبيل الله لإِعلاء كلمته ونشر دينه، وكل من هذه الفرق الثلاثة يشقُّ عليهم قيام الليل، فلذلك خفف الله عنهم، ذكر تعالى في هذه الآية الأعذار التي تكون للعباد تمنعهم من قيام الليل، فمنها المرض، ومنها السفر للتجارة، ومنها الجهاد في سبيل الله، ثم كرر الأمر بقراءة ما تيسر من القرآن تأكيداً للتخفيف عنهم قال الإِمام الفخر: أما المرضى فإنهم لا يمكنهم الاشتغال بالتهجد لمرضهم، وأما المسافرون والمجاهدون فيهم مشغولون في النهار بالأعمال الشاقة، فلو لم يناموا في الليل لتواليت أسباب المشقة عليهم، فلذلك خفف الله عنهم وصار وجوب التهجد منسوخاً في حقهم ﴿فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ أي فصلوا ما تيسَّر لكم من صلاة الليل، واقرءوا في صلاتكم ما تيسر من القرآن ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾ أي وأدوا الصلاة المفروضة على الوجه الأكمل، والزكاة الواجبة عليكم إلى مستحقيها قال المفسرون: قلَّما يُذكر الأمر بالصلاة في القرآن، إلا ويُقرن معه الأمر بالزكاة، فإن الصلاة عماد الدين بين العبد وربه، والزكاة عماد الدين بينه وبين إِخوانه، والصلاة أعظم العبادات البدنية، والزكاة أعظم العبادات المالية ﴿وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً﴾ أي تصدقوا في