كفر بي وكذب بآياتي قال المفسرون: نزلت في «الوليد بن المغيرة» كان من أكابر قريش، ولذلك لقب الوحيد وريحانة قريش، وقد أنعم الله عليه بنعم الدنيا من المال والبنين، وأغدق عليه الرزق فكان ماله كالنهر الدافق، وكان للوليد بستان في الطائف لا ينقطع ثمره صيفاً ولا شتاء، فكفر بأنعم الله وبدلها كفراً، وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء علهيا، وفيه نزل ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾ وهو أسلوب بليغ في التهديد، كما نزلت فيه الآيات المتقدمة في سورة نون، ﴿وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ..﴾ إلى ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم﴾ [القلم: ١٠١٦] وهو الذي آذى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وكاد له، فإن صناديد قريش لما برموا برسول الله، وضاقت عليهم الحيل في إسكاته، وإطفاء نور دعوته، لجأوا إلى الوليد فأشار عليهم بأن يلقبوه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالساحر، ويأمروا عبيدهم وصبيانهم أن ينادوا بذلك في مكة، فجعلوا ينادون إن محمداً ساحر، فحزن لذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فنزلت الآيات الكريمة في معرض تهديده وتخويفه، ليكون ذلك أدعى للكسر من كبريائه ثم قال تعالى ﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً﴾ أي جعلت له المال الواسع المبسوط، من الإِبل، والخيل، والغنم، والبساتين النضرة قال البيضاوي: ﴿مَّمْدُوداً﴾ أي مبسوطاً كثيراً، وكان له الزرع والضرع والتجارة قال ابن عباس: كان ماله ممدوداً ما بين مكة والطائف وقال مقاتل: كان له بستان لا ينقطع نفعه شتاء ولا صيفاً ﴿وَبَنِينَ شُهُوداً﴾ أي وأولاداً مقميمن معه في بلده، يحضرون معه المحافل والمجامع، يستأنس بهم ولا يتنغَّص عيشه لفراقهم قال المفسرون: كان له عشرة بنين لا يفارقونه سفراً ولا حضراً، وكان مستأنساً بهم وله بهم عز ومنعة، أسلم منهم ثلاثة: «خالد، وهشام، والوليد».
. وبعد أن ذكر من مظاهر النعم المال والبنين عاد فعمم الخيرات الدنيوية التي أنعم بها الله عليه فقال ﴿وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً﴾ أي بسطت بين يديه الدنيا بسطاً، ويسرت له تكاليف الحياة، ومظاهر الجاه والعز والسيادة، فكان في قريش عزيزاً منيعاً، وسيداً مطاعاً ﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ﴾ أي ثم بعد هذا العطاء الجزيل يطمع أن أزيد له في ماله وولده وقد كفر بي قال الفخر الرازي: لفظ ﴿ثُمَّ﴾ هنا للإِنكار والتعجب، كما تقول لصاحبك: أنزلتك داري، وأطعمتك وأكرمتك ثم أنت تشتمني! ﴿أي ومع كل هذه الإِنعام والإِكرام فقد كفر وجحد، وبدل أن يشكر الوليد لربه هذا الإِحسان، ويقابله بالطاعة والإِيمان، عكس الأمر وقابله بالجحود والكفران {كَلاَّ﴾ ردع وزجر أي ليرتدع هذا الفاجر الأثيم عن ذلك الطمع الفاسد، ثم علل ذلك بقوله ﴿إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً﴾ أي لأنه معاند للحق، جاحد بآيات الله، مكذب لرسوله، فكيف يطمع بالزيادة هذا الشقي العنيد؟ ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾ أي سأكلفه وألجئه إلى عذاب صعب شاق لا يطاق، تضعف عنه قوته كما تضعف